تثير رواية «سرور» (دار كتب خان) للكاتب طلال فيصل تساؤلات جمّة تتعلق بالبطل المركزي في الرواية وهو الشاعر والمسرحي المصري الراحل نجيب سرور، الذي عاش السنوات الأخيرة من حياته أياماً صعبة بسبب ما عاناه من اضطرابات نفسية، ازدادت مع زيارة أنور السادات إلى القدس عام ١٩٧٧. صاحب «يا بهية وخبريني»، و«منين اجيب ناس»، و«بروتوكلات حكماء ريش»، و«ياسين وبهية» والنصّ الاحتجاجي الشهير «أميات» مات في مستشفى للامراض العقلية أودعته فيها الاستخبارات المصرية، لكنّه ظلّ للأجيال الشابة إحدى أبرز ايقونات الغضب. ويزيد من شغف القارئ بالرواية التي صدرت عن سرور لكون مؤلفها درس الطب النفسي.

نجيب سرور كما تناوله طلال فيصل نموذج لمثقف يختصر أعوام ما بعد هزيمة الـ 67، وكل انكساراته الشخصية أو الفنية هي ترجمة لحالة مصر في تلك الفترة. كان السؤال الأهم الذي راود طلال فيصل عند الكتابة عن سرور: أيهما أفضل للفنان، الصدام المباشر والخصومة الصريحة والتعبير العنيف عن أفكارك كما تجلّت في شخصية سرور، أم المداورة والمناورة والاحتفاظ بهذه الآراء والمواقف داخل أعمالك الفنية فحسب كتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ؟ يرى فيصل أنّ نجيب سرور هو التجسيد الأمثل لهذا السؤال بصداماته العنيفة وسخونة ودرامية حياته، وما كان لذلك من تأثير على إنتاجه الفنّي، سلباً أم إيجاباً. خلال عملية الكتابة التي استغرقت سنوات، اعتمد طلال فيصل على الأرشيف والمقالات الصحافية ومقابلات مع شخصيات عاصرت نجيب سرور وعرفته كناقد ومؤلف مسرحي ومخرج اتسمت أعماله بنظرة طليعية واشتغال نقدي على تيمات تراثية. هكذا، التقى فيصل زوجة سرور، وأبناءه، وتلاميذه، وزملاءه من الفنانين.
في الجزء الأخير من الرواية، نرافق الطبيب النفسي المسؤول عن نجيب سرور إلى رحلته مع الشاعر الراحل في «مصحة العباسية». لا يخفي فيصل تخوّفه من هذا الجزء، قائلاً «المشكلة أنّ نجيب نفسه كان يستخدم لهجة حادة جداً في عرض أفكاره وانتقاده للمثقفين في زمنه. قصيدته «أميات» مثال واضح. كذلك مَن يذكر كتابه العنيف «هكذا تكلّم جحا»، يعرف جيداً أنّه كان صريحاً وجارحاً في التعبير عن آرائه. لا يمكنك أن تتجاوز هذه الطريقة في الكتابة عنه أو الكتابة من داخل تجربته. في الرواية، نجد آراءً صادمة في أسماء حقيقية وبعضها لا يزال حيّاً. وليس ثمة طريقة للإفلات من ذلك. أنت تنقل عصراً كاملاً بالكتابة عن هذا الرجل، ولا يمكن التعبير عن ذلك من دون استعارة حدة الرجل أو استعارة تعبيراته الجارحة».
يأمل مؤلف «سرور» أن تسهم روايته في إعادة الرجل إلى الأذهان بعدما اختُزل للأسف في قصيدة «أميات»، داعياً الدولة إلى طبع أعماله الكاملة التي نشرت في التسعينيات ولم يعَد طبعها منذ ذلك الحين. يقول فيصل «الرجل ظُلم حياً ولا داعي إلى إتمام ظلمه ميتاً أيضاً».