طوال السنوات الماضية، كنتُ من الحريصين دائماً على متابعة جريدة «الأخبار» اللبنانية وقراءة أعمدتها المتنوعة في الأدب والفن والسياسة، خصوصاً مقالات لعدد من المبدعين والكتاب الرائعين من بينهم المبدع الرائع زياد الرحباني والشاعر الكبير أنسي الحاج. والحقيقة أنني كنت دائماً من المعجبين بـ «الأخبار» وسياستها التحريرية ولغتها الصحافية الموضوعية الراقية. هذا ما كنت أعلنه في محيط معارفي الشخصيين وأصدقائي. وللحقيقة أيضاً، فإن رأيي في جريدتكم ليس نوعاً من المنّة أو التفضل، ولكنه ذكر للحقيقة وتأكيد عليها، فلكم كل الشكر والمحبة. ولعل هذا التقدير بالأساس هو ما يدفعني الآن للكتابة لكم، بعد اطلاعي بالمصادفة على مقال بعنوان «ساعة بقرب إسرائيل» (الاخبار 12/6/2013) للكاتب نجوان درويش. فاجأتني لغة الغمز واللمز التي احتشد المقال بها بصورة مدهشة بما فيها من شخصنة وهجوم على شخصي وعلى الغناء المغربي وعلى الفن العربي الملتزم بصورة عامة.
المقال الذي دار حول لقاء لي في برنامج باسم «ساعة بقرب الحبيب» مع المدعو سليم شحادة، وينتقد قبولي إجراء هذا اللقاء (اكتشفت من خلالكم أنه أذيع في إذاعة «الكيان الصهيوني») لم يكتف بالإشارة إلى الواقعة مثلاً والتنبيه للإذاعة (التي قدّمها لي شحادة على أنها إذاعة فلسطينية تبثّ من الناصرة)، وإنما انطلق من الهجوم على شخصي بأكثر من أسلوب بدأت باستخدام تعبير «تتفلسف المطربة المغربية... بشكل طبيعي» بما حملته العبارة من سخرية مبطّنة وهجوم أدهشني شخصياً، خاصة أنني لم أشرّف بمعرفة كاتب المقال، ولا أتذكر خصومة بيني وبينه تدفعه لإشهار كل أسلحته في محاولة النيل من شخصي ومن رحلتي الفنية ومواقفي الفنية والعربية.
والكاتب الذي لم ينس أن ينوّه بـ «رخامة صوت شحادة» ويشير إلى انتمائه للإذاعة العبرية وأدواره الأمنية، أغفل مثلاً وهو يكيل الهجوم على كريمة الصقلي (الشخصية والمطربة) ما أورده هو ذاته في المقال من لجوء شحادة إلى الخديعة والتلفيق، ما كان يمكن أن يكون تفسيراً لو أراد الإنصاف، لما حدث. فيما لم يغفل استخدام كل التعبيرات الاستبطانية التي تطعن في النوايا وتشي بمعرفة القصد، وكأنما الكاتب امتلك قدرة سحرية على معرفة الغيب وخفايا الأمور.
ولما كانت الأعراف الدولية لمهنة الصحافة والإعلام، أكدت بصورة قاطعة على حق صاحب الشأن في التعليق على ما يكتب عنه وعرض وجهة الحقيقة كما يراها، فقد آثرت أن أرسل لصحيفتكم التي أكنّ لها كل التقدير. أولاً لأوضح الأمر كما حدث، ويبقى للقارئ بعدها أن يقرر إلى أي كفة سوف يميل. إن القصة، بدون تفلسف تتلخص في أنني تلقيت اتصالاً من المدعو سليم شحادة يزعم فيها أنه إذاعي فلسطيني من الناصرة، يرغب في حوار هاتفي معي حول الفن والموسيقى، لتكون وسيلة تعارف بيني وبين المستمع الفلسطيني في الداخل. ولما كان موقفي من قضايانا العربية الأولى ومن الحق الفلسطيني واضحاً (تبقى الأغنية التي تفضلتم بعرضها مع المقال، وغيرها شاهداً عليه)، فقد كان قبولي إجراء هذا الحوار (على هذا الأساس) متسقاً جداً مع مواقفي المعلنة والمعروفة، وهو ما حدث. بدأ الحوار الهاتفي الأصلي بتحيّتي ومحبتي لأهلنا في فلسطين، والتعبير عن تشرفي بالحديث إليهم والمساهمة، ولو بحوار في التخفيف عن ظروف حياتهم تحت الاحتلال والتعبير عن دعمي ودعم كل الفنانين العرب الذين أعرفهم لهم ولقضيتهم. وللحقيقة فأنا لم يتح لي الاستماع إلى الحوار لدى بثه، كونه (بحسب ما فهمت من مقالة درويش) تم بثه من إذاعة صهيونية. وأنا لا أستمع في العادة لإذاعات الكيان الصهيوني، ووقت بث الحوار (الإثنين الماضي) كنت خارج المغرب في رحلة شخصية، ولم أسمعه. غير أنني فهمت (من المقالة أيضاً) أنه تم إجراء نوع من المونتاج على التسجيل، وتم خلاله حذف كل ما قلته عن فلسطين وأهلنا في فلسطين. وما وجهته لهم من تحايا وتقدير وإشادة بالصمود والمقاومة.
غير أن ما أثار دهشتي ربما أن جريدتكم الموقرة بما لها من ثقل إعلامي ومصداقية مهنية، لم تكلّف خاطرها أن تسألني عن قصتي للقصة، على أقل تقدير، قبل أن تسمح بما يحمله المقال من اتهامات قد تصل إلى درجة التشهير، كما ذكر لي أحد المحامين.
إنني إذ أستخدم حقي الموثق دولياً في الردّ على ما وجّه لي عبر جريتكم من اتهام وتوضيح الموقف كما حدث، لا أنسى الإشارة إلى عدد من التعبيرات التي احتشد بها المقال، وتشي لي في المقابل بنوع من قصدية الهجوم على شخصي ومسيرتي الفنية، من بينها مثالاً: «ولم يرتجف لسفيرة «الطرب الأصيل» صوت طوال اللقاء الهاتفي كما لو أنّها .....»، أو «سرعان ما راحت الصقلي تحاضر له عن»، ... أو «المطربة الفيلسوفة الكلمنجية التي بدت مصرّة على تكرار استعمال كلمة أخلاق بإلحاح مريب».. تلك التعبيرات التي يعرف أي محرّر صحافي محترف أنها لا تنتمي لحقل الكتابة الصحافية التي تلتزم الموضوعية والمهنية، بما تظهره من موقفية مسبقة وتعسف تفسيري لم يخفف منه ما حرص الكاتب على الإشارة له، وله الشكر، بخصوص أغنيتي «لا يُرجِع الأقصى وصخرتَه إلا اشتغال الأرض بالغضب» التي أشكر موقعكم على إدراجها مع المقال. ورداً على كاتب المقال، أسمح لنفسي في النهاية بأن أقول: نعم أجريت حواراً مع «صاحب الصوت الرخيم» الذي هاتفني في مكالمة للمغرب، وقال فيها إنّه فلسطيني. نعم أجريت لإذاعة فلسطينية في الناصرة حواراً على الهاتف في مكالمة عبر البحر، ولكنني صادقة لم أعلم أنّ «صاحب الصوت الرخيم» صهيوني أو يجري حواره لإذاعة الكيان الصهيوني. لم أعرف لأنني لا أعرفه ولا «معجبة» بصوته «الرخيم». نعم، قد أكون مخطئة في عدم التحرّي عن الأمر، لكنه خطأ في حدود عدم التحرّي عن مذيع في مكالمة دولية. في عصر العولم الإعلامية تلك حدود الخطأ. أما عن أنني لم أذكر فلسطين مرة واحدة في الحوار، فأنا أؤكد لك أنني ذكرت فلسطين وتحدثت لفلسطين وغنيت لفلسطين أكثر من مرة، ولعلك تجد وسيلة «سحرية أيضاً» لسماع الحوار الأصلي قبل مونتاجه وتعرف أنني فعلت. وأخيراً: أثار ريبتك «تكرار استعمال كلمة أخلاق بإلحاح»؟ المدهش أن ما كتبته أنت يدعوني لإلحاح أكثر في استعمال الكلمة: أخلاق.



طرب و... تصوّف

كان لبنان على مواعيد عدة مع كريمة الصقلي. في عام 2008، افتتحت «مهرجانات بيت الدين» لتعود عام 2011 وتقدّم أمسية في «قصر الأونيسكو». رغم أنّها تُعَدّ من أبرز نجمات الأغنية العربيّة اليوم، تجمع بين الطرب الأصيل، ونصوص وقصائد من التراث الشعري العربي، إلا أنّ الصقلي تنفتح في أعمالها على كلِّ الأشكال الموسيقية. في عام 2000، حلّت ضيفة على «مهرجان الموسيقى الروحية» في فاس، فأدت قصائد للمتصوف المغربي الشهير محمد الحراق، وابن عربي، إضافةً إلى ابن زيدون الذي غنّت له «هل لداعيك مجيب»، قبل أن تشتغل على قصيدته الشهيرة «يا ليل طل أو لا تطل».