بعد نكسة 1967 توالت مسرحيات عصام محفوظ، التي بقيت تحتفظ بهذا الغضب وهذه النقمة على الأوضاع السياسية كما في مسرحياته «الزنزلخت» (1969) و«قضية ضد الحرية» (1975). مسرحيته «لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71؟» ابنة تلك الفترة. مرحلة الغضب العربي الذي دفع بالشاب الفلسطيني سرحان سرحان إلى اغتيال روبرت كينيدي، رفضاً لدعمه لإسرائيل، في الذكرى السنوية الأولى للنكسة، والذي منع القائد الشيوعي فرج الله الحلو من قبول تقسيم فلسطين ليدفع ثمن ذلك الموت تحت التعذيب في سوريا عام 1959، والزعيم أنطون سعادة مؤسس «الحزب القومي السوري القومي الإجتماعي» والمدافع عن فلسطين، الذي أعدم في لبنان عام 1949. وإذا كان عصام محفوظ يلتقط نضالات العقود الثلاثة التي تفصل النكبة عن النكسة، من خلال ثلاث شخصيات يوحّدها صدقها حتى الموت في الدفاع عن القضية الفلسطينية، فإنه يظهر أيضاً النضالات الفردية التي تطغى على معظم النضالات العربية وعبثيتها. وهو ما ترجمه عصام محفوظ في المسرحية بالملهى الليلي.
تختصر المسرحية نضالات العقود التي تفصل النكبة عن النكسة بثلاث شخصيات أساسية
هذه المناخات القصوى لفرط سخريتها وسوداويتها ظهرت أيضاً في «كارت بلانش» (1970) التي حوّل بيروت فيها إلى سوق عمومي للبغاء يجمع السماسرة والبيع والشراء، مقدماً نقداً لاذعاً للسلطة اللبنانية ولنظامها الإقتصادي. من هنا أعادت لينا خوري مسرحية «لماذا...؟» إلى مسرح «غلبنكيان» (LAU ــ بيروت) في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. الليلة نشاهد العمل مجدداً على خشبة «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت) في عرض أمام الجمهور الواسع. يتقاطع عرض المسرحية مع حدث بارز هو الذكرى العاشرة لغياب رائد المسرح الحديث اللبناني عصام مححفوظ (1939 ــ2006) التي مرت الشهر الماضي، وحدث آخر لكنه مألوف ومستهلك ومنتظر يرتبط بالنضال الفردي الخاسر الذي يحكم معظم الإحتجاجات في لبنان والعالم العربي بعد مصادرة ربيعه. لهذا اختارت المخرجة اللبنانية نص هذه المسرحية بالتحديد من بين أعمال محفوظ: «الاستهتار في قصة النفايات لا يزال مستمراً مثلاً، برغم الأمراض والكوارث الناتجة من الموضوع»، تقول خوري. موضوع السياسة والحرية هو اهتمام آخر لدى خوري كما ظهرته في «مجنون يحكي» (2013)، إلى جانب عملها على قضية المرأة وحريتها وتحدياتها وهواجسها بدءاً بمسرحيتها «حكي نسوان» (2006)، ثم «صار لازم نحكي» (2009)، و«هكذا تعلمت القيادة» التي شاهدناها قبل عامين حول التحرش والبيدوفيليا.
لكن العرض الأخير لمسرحية «لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71؟» في «غلبنكيان» لم يمر من دون ضجة، إذ أصدر «المركز الكاثوليكي للإعلام» (الأخبار 12/9/2015) بياناً استنكر فيه ورود بعض المشاهد من العمل، من دون أن يشاهدوا العمل، رغم ذلك هددوا بمنعه من العرض مجدداً على الخشبة، لكن خوري لم تجابه هذه الرجعية بالتصادم، فتواصلت مع المركز عن طريق الأمن العام، ودعتهم إلى حضور الإفتتاح «لأنني مع الحوار، وادعو الناس إلى تلقي المسرحية بالوعي والإنفتاح والحرية».
وبالعودة إلى المسرحية، تظهر لنا بيروت السبعينيات (أو اليوم؟)، بكل خفتها وثقلها، وصخبها، واستهتارها، وتوترها. في ملهى ليلي، وضمن مناخ سوريالي يجمع الكوميديا والتراجيديا... سنستمع إلى قصص ومواقف سرحان سرحان (أسامة العلي) وفرج الله الحلو (طارق تميم)، وأنطون سعادة (سامي حمدان) كما يقدمها لنا الساهرون والسكارى لإثارة بعض الأسئلة مجدداً عن النضال والحرية والقتل. وضمن عملها الأكاديمي، جمعت خوري ممثلين مخضرمين وطلابا مثل طلال الجردي، وأسامه العلي، وطارق تميم، وعلي سعد، وعبدو شاهين، ومحمد عقيل، وألين سلّوم، وأحمد الخطيب، ولينا سحاب، وروان حلاوي، وألين الشامي، وشادن فقيه، وعبد جمعة، وهبة سليمان، وعدنان عوض. هكذا تستعيد خوري هذه المسرحية كتحية إلى الكاتب المسرحي الطليعي اللبناني وسط غياب الكتابة المسرحية الجدية كأدب مستقل عن الفنون الأخرى في لبنان.

«لماذا...؟» للينا خوري: عند الثامنة والنصف من مساء اليوم حتى الثالث من نيسان (أبريل) المقبل ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). للإستعلام: 01/753010