أُجبرت مراسلة صحيفة «الديار» في طرابلس (شمال لبنان) دموع الأسمر على ترك منزلها مساء السبت الماضي، بعدما طوّقته مجموعة من المسلحين السلفيين الذين أهدروا دمها واتهموها بالكفر والإلحاد. الصحافية اللبنانية «سوّلت» لها نفسها أن تنشر مقالة في عدد الجمعة الماضي من الصحيفة، حيث تحدّثت عن تحميل عائلات بعض الشبان المشاركين في القتال في القصير المشايخ سالم الرافعي وحسام الصباغ ونبيل رحيم مسؤولية مصير أولادهم. وأضافت أنّ عدداً من العائلات رأت أنّ القادة السلفيين في طرابلس «يتاجرون بأبنائهم ويجمعون الثروات على حسابهم بحجة دعم الثورة السورية».
أمام هذا الواقع، هبّ أتباع المشايخ، متوجهين إلى منزل الصحافية على وقع صيحات التكبير. «حين خرجتُ إلى الشرفة لأستوضح سبب هذا الصراخ، فوجئت بعدد كبير من المسلحين يتهمونني بالكفر والإلحاد، ويهددون بالتعرّض لي في حال عدم ترك المنطقة» تقول الأسمر لـ«الأخبار». وأضافت أنّها سارعت إلى الاتصال برئيس تحرير «الديّار» شارل أيّوب الذي طمأنها بعد دقائق إلى أنّه تواصل مع قائد الجيش، وأنّهم «بيوصلوا لعندك بعد شوي». 20 دقيقة مرت ببطء في انتظار وصول عناصر الجيش، تخلّلها صعود ثلاثة مسلّحين إلى منزل الأسمر بعد اشتباك مع بعض أبناء الحي، ليطلب منها المسلّحون الاعتذار «من الشباب تحت»، وفيما شارفت ابنتها على الانهيار من شدّة الخوف، خرجت الأسمر مجدداً إلى الشرفة، وتوجّهت إلى «الكتيبة» المرابطة بالقول: «يا جماعة أنا بعتذر إذا أخطأت بحقكم». أُنزل السلاح أرضاً، فظنّت الأسمر أنّ المسألة شارفت على الانتهاء، لكنّها كانت مخطئة. عاد الصراخ ليعلو في أرجاء المكان: «دمك مهدور. حتى لو تركتِ البيت بدنا نجيبك!». بعدها، حضر عناصر من الجيش، فأكدوا للصحافية اللبنانية أنّه يفضَّل أن تغادر بيتها، وأنّهم سيصطحبونها إلى الوجهة التي تختارها، فيما عمد المسلحون إلى تنفيذ خطة «إعادة تموضع» من دون الانسحاب من الحي. وهذا ما حدث فعلاً، فالأسمر موجودة اليوم في «مكان آمن» لا تريد الإفصاح عنه، إلّا أنّها لا تعرف إلى متى «سأبقى مهجرة من بيتي».
ورغم أنّ الأسمر ما زالت تؤمن بأنّ لبنان «بلد الحريات والديمقراطية، وبأنّ حرّية الإعلام مكفولة قانوناً»، إلا أنّ قواعد اللعبة على الأرض تشير إلى عكس ذلك، وخصوصاً مع توالي الاعتداءات على الصحافيين من مختلف وسائل الإعلام. واقعة دموع الأسمر تزامنت مع تعرّض المصوّر في وكالة «فرانس برس» غسان سويدان للاعتداء من قبل مجهولين إثر عودته إلى منزله في منطقة البداوي (شمال لبنان). كالعادة، لم تتجاوز خطوات المعنيين حدود التضامن الكلامي، إذ أصدر نقيب المحررين إلياس عون بياناً رأى فيه أنّ الاعتداء «موجّه ضد الصحافة اللبنانية الحرة»، معلناً أنّ النقابة «في صدد إعداد تحرّك واسع لوضع حد لمسلسل استضعاف الزملاء».