تونس | تتويج عبد اللطيف قشيش بالسعفة الذهبية في «مهرجان كان» عن فيلمه «حياة أديل» لفت الانتباه إلى السينما التونسية التي تشهد انتعاشة كبيرة على مستوى الإنتاج هذه الأيام، لكنّها تعاني ندرةَ الصالات، والأوضاعَ المضطربة بعد الثورة. مع ذلك، اختار بعض المخرجين طرح أعمالهم في قاعات تونس، أولهم محمد دمق الذي يشاهد الجمهور فيلمه «الخميس العشية» في قاعات العاصمة ومدينتي سوسة وصفاقس.
الشريط الذي يعود به دمق بعد غياب طويل، يختتم على نهاية مفجعة؛ إذ ينتحر شقيق زهرة (عائشة بن أحمد) العاطل من العمل، وفنان الراب الشاب مختار (محمد أمين الحمزاوي). اختار دمق لشريطه هذه النهاية المؤسفة لتؤكد الإحباط الذي خيّم على الشارع التونسي طوال السنوات العشر الأخيرة لحكم بن زين العابدين علي، وصولاً إلى عشية «١٤يناير» 2010 التي لم يعد فيها للسلطة نفوذ تواجه به الشعب الغاضب إلا الهراوات والقنابل المسيلة للدموع والقتل.
يكشف الفيلم صفحات من دفاتر حقبة بن علي التي أدت إلى «ثورة ١٤ يناير» من خلال تصوير يوميات عائلة مصطفى الزغلامي (فتحي الهداوي)، وهو رجل أعمال استفاد من النظام السابق، لكنه يفقد حظوته لدى السلطة السياسية بسبب ما نُقل عنه في إحدى السهرات عن السيدة الأولى ليلى بن علي التي لم تكن تسلم من غمز الشارع التونسي، رغم الخوف والريبة. وشاية كلفته موقعه السياسي والاقتصادي، فيعمل جاهداً على استعادته عبر «جلال» (سهيل عبد الجواد) الذي تربطه علاقات تجارية و«بزنس» ببعض أصهار الرئيس السابق.
حكاية الفيلم واحدة من أكثر الحكايات تداولاً في العهد السابق؛ إذ فقد عدد كبير من رجال الأعمال مؤسساتهم، وتعرضوا للمساءلة القانونية بسبب كلمة نقلت عنهم في سهرة خاصة. أما شخصية مصطفى، بما تنطوي عليه من انتهازية وطمع وتهرب من الضرائب بغطاء قانوني يوفره محاميه الزغيدي (فرحات هنانة)، فهو نموذج رجال الأعمال الذين ظهروا في العهد السابق بتواطؤ من السلطة والعائلة الحاكمة. وقد نسج ابنه (خالد هويسة) على المنوال نفسه في تهريب البضائع والتورّط في شبكة التجارة الموازية.
يتعرّض مصطفى لحادث سير يسبب له إعاقة دائمة. هكذا، يجد أبناؤه أنفسهم في مواجهة مصائرهم: منية (سوسن معالج) تعيش مشاكل مع زوجها (مهذب الرميلي) الذي ينتهي مدمناً بعد قصة حب يسارية في الجامعة. البنت الثانية هندة (نادية بوستة) تتزوج في باريس فرنسياً يعتنق الإسلام، ويتحول إلى متطرف وهابي ذي آراء متشددة. أما ابنه الأصغر مختار (محمد أمين الحمزاوي)، فيواجه قمع السلطة بسبب أغنيات الراب التي ينتقد فيها سيدة قرطاج الأولى، لينتحر يائساً في الوقت نفسه مع شقيق ممرضة والده زهرة، متخرج الجامعة والعاطل من العمل.
أهمية الشريط أنّه أول فيلم روائي طويل يتناول ما حدث في تونس خلال سنوات بن علي بشكل واضح. وكان قد حاز منحة دعم للإنتاج سنة ٢٠١٠، لكن التصوير بدأ في ٢٠١٢ بعدما أجرى عليه مخرجه وكاتب السيناريو محمد دمق بعض الإضافات البسيطة، كما قال لـ«الأخبار».
وخلافاً للكثير من الأفلام التونسية، جاء الشريط خالياً من البهارات الجنسية التي كادت تكون تيمة للسينما التونسية في التسعينيات. ولم ينسَ دمق توجيه تحيّة إلى المدونين الذين واجهوا نظام بن علي على الإنترنت، وكذلك بعض الحقوقيين مثل لينا بن مهني، وليلى بن دبة، والناصر العويني، وبعض فناني الراب الذين أظهرهم الشريط في إحدى الجلسات السرية؛ إذ كانوا مطاردين من أجهزة الأمن.
أخيراً، يبدو أنّ الفيلم الذي يلقى إقبالاً في القاعات على قلتها، سيكون بدايةً لسلسلة أعمال تؤرخ لحقبة بن علي والتحولات التي عاشها المجتمع التونسي بعد الثورة.