ليست السينما الدانماركية بالحديثة، بل إنّ عمرها يضاهي عمر السينما نفسه. خلال سنواتها الطويلة، حظيت بمكانة مميزة على خريطة الفن السابع العالمي، مع تنوع تجاربها من «الحقبة الذهبية» في بدايات القرن الماضي وأعمالها التي عُرضت في العواصم الأوروبية الرئيسية ومعلّميها الكبار أمثال كارل تيودور دراير (1889 ـ 1968)، مروراً بمرحلة الأفلام الكوميدية الشعبية في الخمسينيات، ثم الإيروتيكا في الستينيات والسبعينيات، والتسعينيات التي طغى عليها اسم لارس فون تراير و«حركة دوغما 95» مع زميله توماس فينتربرغ (1969)، وصولاً إلى اليوم مع سوزان بير (1960) ونيكولاس ويندينغ ريفن (1970) وأفلام تعنى بالواقع الاجتماعي الدانماركي.
هذا العام، تتعاون «صالة متروبوليس أمبير صوفيل» مع السفارة الدانماركية في بيروت لإقامة النسخة الثانية من مهرجان السينما الدانماركية تحت عنوان «وليمة دانماركية». وبدءاً من اليوم، نحن على موعد مع سلسلة عروض تعنى بالجديد والكلاسيكي في آن واحد، وتناقش قضايا المجتمع الدانماركي قديماً وحديثاً.
على عكس الدورة الأولى التي أقيمت قبل عامين وشهدت عرض أربعة أفلام فقط مع غياب أسماء لامعة، تضاعفت القائمة هذا العام لتشمل ثمانية أفلام مميزة مقترنة بأسماء مهمة عالمياً. تفتتح التظاهرة في «متروبوليس» بعرض محلي أوّل لشريط «علاقة ملكية» من إخراج نيكولاي أرسيل (2012 ــ 131د ــ الليلة). دراما تاريخية حظيت بحفاوة أفضت إلى جائزتين في «مهرجان برلين» (أفضل سيناريو وأفضل ممثل لميكل فوسغارد). الحبكة التي تدور في القرن الثامن عشر، تحكي علاقة رومانسية بين كارولين ماتيلد، زوجة الملك كريستيان السابع الذي يعاني لوثةً عقلية، والمعالج الملكي يوهان سترونسي (مادز ميكلسين). قرب سترونسي من الملك وتأثيره عليه يمكّنانه من إجراء إصلاحات في الحكم أشبه بالثورة، فينهي التعذيب ويلغي تجارة الرق، بالإضافة إلى إصلاحات أخرى. لاحقاً، يستغل خصومه علاقته «المحرمة» مع كارولين ليقفوا ضده. من هذه البداية السياسية، يستمر البرنامج في اليوم التالي مع السياسة عبر الوثائقي الجدلي «السفير» (2011ــ 93د ــ 4/6). في الفيلم الذي أخرجه الصحافي الاستقصائي مادس بروغر ويؤدي بطولته أيضاً، يتخفى مادس في شخصية رجل أعمال دبلوماسي بعد تأمين جواز سفر دبلوماسي مزور من رجل أعمال هولندي (حاول لاحقاً وقف عرض الفيلم). يصل إلى جمهورية أفريقيا الوسطى بذريعة بناء مصنع لعيدان الثقاب، كاشفاً الفساد والتزوير الذي يحصل عندما تجتمع السياسة و«البيزنس» في سبيل الحصول على «ماس الدم» الأفريقي.
من السياسة ننتقل إلى العلاقات الاجتماعية، مع «ذكريات زواج» أو «الرقص مع ريغيتز» (1989 ـ 87د ـ 5/6) من إخراج كاسبار روسترب. دراما عائلية تُعَدّ من كلاسيكيات السينما الدانماركية، مقتبسة من رواية شعبية لمارثا كريستينسين، حيث يستعيد كارل ذكريات بداية علاقة حبه مع زوجته ريغيتز خلال حفلة صيفية. في السادس من الشهر، يعرض أيضاً فيلمان قصيران تبلغ مدة كل منهما 15 دقيقة، كتحية خاصة لأب الوجودية، الفيلسوف الدانماركي سورين كيركغارد (1813 ـ 1855) في ذكرى ولادته المئوية. الشريطان هما «انظر إليّ الآن» (ترين ناديا) و Dollface (تيلدي ماج هولغيرسن واندرياس ستين سورنسن) يسبقهما تقديم عن كيركغارد وأعماله. وفي السابع من الشهر، يعرض «المطاردة» (2012 ــ 111د) من إخراج توماس فينتربرغ، الزميل المؤسس لـ«حركة دوغما 95» مع لارس فون تراير. شريط درامي يؤدي بطولته مادز ميكلسين تدور أحداثه في قرية دانماركية صغيرة عشية عيد الميلاد. نشاهد الأستاذ لوكاس الذي يعيش حياة منعزلة ويصارع للحفاظ على حق الوصاية على ابنه. يتغير كل شيء فجأة عندما يُتّهم خطأً بالتحرش بطفلة ليصبح هدف هستيريا جماعية يشنها أهل القرية عليه في سبيل عزله. هذه الدراما القوية ترشّحت لسعفة «كان» الذهبية، ونال مادز جائزة أفضل ممثل.
تستمر العروض بشريط «سننتصر» (2006 ــ 106د، ــ 8/6) من إخراج نيلز أردين أوبليف. دراما عائلية وكوميديا خفيفة تدور أحداثها عام 1969 عن الطفل فريتز الذي يتحدى تسلّط مدير مدرسته بعد تعرّضه لعقاب شديد منه، متأثراً بحركة الحقوق المدنية الأميركية ومارتن لوثر كينغ. نال الفيلم «جائزة الدب الفضي» لأفضل فيلم روائي في «مهرجان برلين». وفي ختام التظاهرة، يعرض «في عالم أفضل» لسوزان بير (2010ــ 113د، 9/6) الحائز أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2011. ميلودراما مثيرة تدور أحداثها بين بلدة دانماركية صغيرة ومخيم للاجئين في السودان، وبين المسؤوليات في المخيم ومسؤولية الأهل تجاه أطفالهم من ناحية أخرى. ثمانية أفلام متنوعة وثيمات متقاربة تعنى أولاً بالقضايا الاجتماعية وفرصة مهمة توفّرها «متروبوليس» للاطلاع على نتاج كلاسيكي ومعاصر مميز.








* «وليمة دانماركية»: بدءاً من اليوم حتى 9 حزيران (يونيو) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/204080 ـ جميع العروض تبدأ عند الثامنة مساء