وسط الأتون السوري الذي امتد لهيبه إلى طرابلس (شمال لبنان) والانقسام السياسي والشعبي، استأنفت بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية لعبتها «المفضلة» في ضخ الأحقاد في البرامج الحوارية في نية واضحة للاستقطاب. خلال فترات الأزمات عادةً، تُخرج هذه القنوات من جيوبها تلك الوصفة «السحرية» التي تقوم على استقبال الضيوف المعروفين مسبقاً بمواقفهم الحادة والمتطرفة، وألسنتهم الحاضرة دوماً لبث لغة الشتائم والسوقية. في الآونة الأخيرة، شكّلت ثلاثة برامج نموذجاً ملموساً لهذا الافتعال والمتاجرة بالعنف السياسي هي: «الاتجاه المعاكس» (الجزيرة)، «حرتقجي» (otv) و«الأسبوع في ساعة» (الجديد). نجم الساحة فيصل قاسم، المعروف بتأجيج الخلافات وجلب الأقطاب المتصارعة بغية خلق المزيد من الغوغائية والتسويق للغة الشتائم والتعنيف، أظهر في حلقته الأخيرة مساء الثلاثاء وجهاً أكثر من حاقد. في هذه الحلقة، استضاف كلاً من الصحافي اللبناني جوزيف أبو فاضل، والعقيد في «الجيش السوري الحرّ» عبد الحميد زكريا. الحلقة عكست السياسة الجديدة التي تتبعها القناة القطرية في أبلسة «حزب الله» وقياداته على خلفية التدخّل العسكري في القصير.
تمثّل ذلك بدءاً من السؤال المطروح المستفتى عليه في البرنامج («هل تعتقد أنّ «حزب الله» أصبح عدواً في نظر غالبية العرب والمسلمين؟»)، وصولاً الى استخدام طائفة أبو فاضل للقول له: «أنت كمسيحي (أعيدت أكثر من ثلاث مرات)، ما مصلحتك مع ولاية الفقيه والنظام الإيراني؟». مع كل سؤال، كانت هناك مقاطعة لأبو فاضل كي تبقى الساحة لقاسم وضيفه العسكري الذي بدا يتلو بياناً حربياً في أجوبته، ما يعطي انطباعاً واضحاً بأنّه كان يعرف الأسئلة مسبقاً. مصطلحات عدة تراشقها الضيفان «المحترمان» مع المذيع وتطايرت على أسماع المشاهدين «عقود المتعة» و«جهاد المناكحة»، وصولاً الى «الخلافة الإسلامية». والأهم من كل ذلك هذا التصويب على السيد حسن نصر الله وحزبه من خلال السماح ببثّ أقذر العبارات بحقهما على الهواء، إلى درجة استخدام الآيات القرآنية وتحريفها لتشويه صورته كما فعل العقيد العسكري.
جوزيف أبو فاضل، الضيف الدائم على الشاشات، كان قد ظهر قبلاً في «حرتقجي» ضمن حلقة استثنائية كما وصفت بعد إجهاض إقرار القانون الأرثوذكسي في المجلس النيابي وتنظيم حملة إعلامية من القناة البرتقالية استعادت فيها لغة الدم والحرب الأهلية كوسيلة للانقضاض على الخصم القواتي. الحلقة التي بثت في 15 أيار (مايو)، شكلت منبراً لبث مختلف النعرات الطائفية بكل أشكالها والمصطلحات التي طواها الزمن، مثل «أمن المجتمع المسيحي». برز أبو فاضل كمدافع أوّل عن العونيين عبر طلاقة لسانه وسرعة استحضاره للغة التي تحرج الخصم. هنا، يمكن استذكار ما حصل بينه وبين الصحافي شارل جبور عندما توجه إليه بالقول: «كل واحد حمل صليباً ودخل على كنيسة يسمّى قواتياً؟ نحن أسسنا القوات. من دمائنا طلعت القوات».
أما «الأسبوع في ساعة»، المحطة الثابتة مساء الأحد على قناة «الجديد»، فقد كانت تفجيرية ولم تتوان عن بث مختلف الشتائم والألفاظ النابية، عدا الاتهامات التي سيقت للجيش اللبناني والتشكيك بدوره من خلال الإيحاء بأنه يقف طرفاً ضد آخر في معارك طرابلس، كما فعل الداعية السلفي عمر بكري فستق الذي قابله الصحافي سالم زهران. الأخير اشتهر باستخدامه لغة الشتائم، ولا سيما على شاشة «المنار» في «حديث الساعة»، واستكملت الشاشات استضافته، رغم المستوى الذي يقدمه. في هذه الحلقة، جمع جورج صليبي الأضداد في السياسة والإيديولوجيا. ولإحداث المزيد من الإثارة، اتّصل بقائد أحد المحاور في باب التبانة هو سعد المصري، الذي اشتبك مع زهران الذي قال له: «أنت أزعر حرب وجاهل وأميّ (..) تلاميذي بالجامعة من جيلك». كل ذلك ملحقٌ بلغة «الصرامي» و«الشرف». منسوب عالٍ من الشتائم والتحريض اتكأت عليهما حلقة «الجديد» لاستقطاب المشاهدين. ومع استعراض لهذه الحالات التي يبدو أنّها مرشحة للاستمرار على الشاشات، وخصوصاً مع ارتفاع منسوب التوتّر في لبنان، تبدأ الأسئلة حول المسؤولية الكبيرة التي تضطلع بها وسائل الإعلام في هذه المرحلة الدقيقة التي يشهدها لبنان. لكن مرة أخرى، ها هي تصبّ الزيت على النار، محولةً العنف الى إحدى أبرز قواعد الحوارات في البرامج التلفزيونية!



وحش الشاشة

لطالما عُرّف عن سالم زهران بأنّه مدير «مركز الارتكاز الإعلامي». ولا أحد يتساءل ما هو هذا المركز وماذا يقدم. خلال البحث، يظهر أنه موقع إلكتروني إخباري هامد لا يطاوله التحديث إلا على صعيد ما يقوله زهران ويعلنه في وسائل الإعلام التي تستضيفه! يضمّ الموقع فيديوات وتصريحات ومواقف لصحافي برز من رحم الأزمة السورية بوقاً مدافعاً عن النظام السوري، ومستخدماً لغة الشتائم، أبرزها على شاشة «المنار». ومن وقتها بات وجهاً تستضيفه القنوات بوتيرة مستمرّة، وخصوصاً عندما يشتدّ مناخ التوتّر.