ليس سهلاً أن يقرر المرء، خصوصاً اللبناني أن ينتقد إحدى أهم الشخصيات التي صاغت ثقافته الفنية. لكن زياد الرحباني وضعني في موقف صعب خلال حضور إحدى حفلاته في قرنة شهوان يوم ١١ أيار (مايو) 2013. وصلنا في الوقت المحدّد أنا وموسيقيان غير لبنانيين، عربية من محبّي زياد، وسويسري لا يعرف موسيقاه. هناك، قيل لنا إنّ الحفلة ستتأخّر. بعد ربع ساعة، قيل لنا فجاةً إنّها بدأت! دخلنا وجلسنا على إيقاع «أسعد الله مساءكم» مؤدى من كورال نسائي بأصوات مقبولة نسبياً، وفرقة بمستوى لا يليق بالاحتراف الموسيقي للأستاذ المحبوب الذي كان غائباً عن خشبة المسرح.
لا أذكر البرنامج. غير أن وجود Hit the road jack التي يبدو أنّها من الأغاني المفضلة لزياد، صدمني شخصياً، ربما لأنّ مجمل الأداء كان سيئاً، فأتت الأغنية كحبّة الكرز على الكاتو كما يقول المثل الفرنسي. زياد صنع ثقافة موسيقية لبنانية وإن كان بعض ألحانها يعود إلى غيره من المؤلفين الغربيين، لكنّه أجاد تكييفها كي تكلمني أنا والمواطن اللبناني والعربي. لذلك يحزنني أن أسمع في حفلة لزياد أغنيات يقدّمها ليست له، ولا يميزها عن الأصلية سوى أنّ الأصلية... أصليّة! ما علينا، أسعد الله مساءنا. وبين المقطوعة والثانية «اسكتشات» أغلبها قرُئ من برنامج «العقل زينة». وأشدّد هنا على فعل القراءة، فالمؤدون ارتكبوا أخطاء قتلت روح النكتة في المضمون القديم والمسموع سابقاً بطرق أفضل. خمس أغان على ما أذكر وبعض الاسكتشات وأداء سيئ، وصوت غيتار باص رديء قبل أن يطل زياد. وهنا النقطة الأهم: الجمهور الوفي الذي يأتي ليراك في أي قرنة تختارها، الذي أغنيت آذانه وأضحكته بعبقريتك، لا ينبغي استغباؤه. حين دخل زياد، صفقنا. لم ينظر إلينا. دخل ولا يرى شيئاً إلا «الكيبوردز» الثلاثة المصفوفة. جلس على الكرسي وقال: مساء الخير. لم ينظر إلينا نحن الجمهور المحب الصبور.
دخل وأدت الفرقة 5 أغان/ مقطوعات معه لم تختلف في التوزيع عن الألبومات سوى بالأداء السيئ وصوت الباص المزعج. كنت أبحث عبثاً عن شيء يجعل الحفلة أفضل من سماع الألبومات في السيارة. لكن كنت سأنسى كل شيء لو قابلنا بكلمة، أو ابتسامة ساخرة أو نظرة تفسر بؤس الحال. والأنكى أنّه بعد ٥ مقطوعات، أدار زياد ظهره ومشى صوب الكواليس واختفى من دون الاكتراث بصيحات الجمهور. لن أصف حالة الغضب والاستفزاز والحزن والإهانة. لقد خجلت. فأنا لبنانية، فخورة بطبيعتي. وهذا زياد. وأنتم تعرفون، عندما نكون مع غير اللبنانيين (فقط عند ذلك) نفخر بأكلنا و«جونا» وغنى ثقافتنا وحرياتنا الشخصية الزائفة ومجتمعنا التافه... المهم، نفتخر. فكيف لا نفتخر بزياد؟ خرج ولحقت به الفرقة، ففهمنا أنّ هذا وقت «الاستراحة». وقررت مع ضيوفي وخيبة من يحبّه وصدمة من لا يعرفه أنّني لا أريد أن أعرف شيئاً عن الجزء الثاني من الحفلة.