في إطار السلسلة التكريمية السنوية «اسم عَلَم» التي تحتفي بها «الجامعة الأنطونية» بأسماء بارزة في عالم الفكر والإبداع، يأتي تكريم «خليل رامز سركيس فيلسوف الكلمة والآخر» في زمن يشهد له كثيرون أنّه مصاب بالقحط الثقافي بعدما غاب عن الساحة العربية المبدعون الكبار. «لماذا «اسم علم»؟ يشي السؤال بسجال تفاكري تتراكم فيه الذاكرة الثقافية التي لا تكتفي بتسجيل التكريم الثقافي بل تصل به الى مستوى الانتاج المعرفي. فـ«اسم علم» سلسلة تكريميَّة تصدرها منشورات «الجامعة الأنطونيَّة» مخصَّصة للإضاءة على كبار المفكِّرين اللبنانيِّين في ميادين الفلسفة والعلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة من خلال التعريف بنِتاجهم المعرفي. انطلقت الفكرة عام 2008 وصدر منها حتى الآن: «ناصيف نصّار، عَلَمُ الاستقلالِ الفلسفيّ» (2008 ــ 2012)، «جورج قرم، عَلَمُ الأصالةِ المنفتحة» (2009)، «بولس الخوري، فَيلسوفُ اللاكَمال» (2010)، «أنطوان ــ حَميد موراني عَلَمُ كنيسةِ الرَّجاء» (2011)، أحمد بيضون، عَلَمُ المعاني والمباني» (2011)، «جورج خضر، أسقفُ العربيَّة» (2012ــ 2013).
يقول القائمون على هذا التكريم إنّ أفضل وسيلة هي التفكير في نتاج المفكّر «ودعوة معاصريه إلى مسايفته تحليلاً ونقداً، فكانت الصيغة على إيجاد الحيِّز والفرصة لانكباب الكبار بعضهم على أعمال بعض». وهذه المرّة، تكرِّم «اسم علم» علماً من أعلام لبنان عبر إصدار كتاب «خليل رامز سركيس: فيلسوف الكلمة والآخر» الذي يعدّ السابع في سلسلة «اسم علم». يتضمن العمل دراسات لكل من: أديب سيف، أمين الياس، جورج طراد، عبده وازن، فريدا حداد بس، هدى نعمه. كما يحوي شهادات لـ: جورج خضر، رشا الأمير، رينيه أسمر هربوز، رؤوف قبيسي، عقل العويط، كلود ضومط سرحال، محمد علي فرحات، هنري زغيب.
ليس مفاجئاً أن يكون صاحب «صوت الغائب» البالغ 92 سنة اليوم، مبدعاً كبيراً من لبنان وجدُّ أبيه لوالدته هو بطرس البستاني (1819ــ 1883) الموسوعي والمربي والمؤرخ، والمؤسس للنهضة الثقافية العربية مع أقرانه. ربما ورث جينة الإبداع عن المعلم الكبير. هذا الإرث كان له وجه آخر. جدّه هو خليل خطار سركيس ( 1842ــ 1915) الذي أنشأ جريدة «لسان الحال» البيروتية عام 1877، وكانت أول صوت طالب بالإصلاح بعد تعليق الدستور العثماني بالإصلاح الدستوري. أكمل خليل رامز سركيس مسيرة جده ووالده الصحافية فتولى رئاسة تحرير «الجريدة» بين عامي 1942 و1959 وكان مستشاراً أدبياً لـ«الندوة اللبنانية» (1946-1975) التي لعبت دوراً ريادياً في تاريخ الثقافة اللبنانية والعربية.
وضع خليل رامز سركيس (1921) مجموعة من المؤلفات من بينها: «من لا شيء»، «أيام السماء» «وصية في كتاب»، «أرضنا الجديدة»، «مصير» «جعيتا»، «بعلبك»، «هواجس الأقلية»، «زمن البراكي»، «بعل بك»، «زواج مدني» «أسير الفراغ»، «لبنان»... وبعض كتبه تُرجم إلى لغات عديدة منها الفرنسية والانكليزية والإسبانية والبرتغالية والإيطالية.
انشغل «فيلسوف الكلمة والآخر» بأسئلة الوجود والله والوعي والآخر والتعددية وقلق الإنسان المعاصر. في كتابه «أرضنا الجديدة»، تبلورت معادلة الله والانسان عنده، واتخذت طابعاً وجودياً. نظر الى الانسان من زاوية الحوار التبادلي مع الكون، واعتبرهما في حال من التناغم التصاعدي، فـ«الإنسان بمدى الكون، ورحابة الديمومة، والكون بروح الإنسان». خلص سركيس الى أنّ «العلاقة المادية تخضع لأحكام العقل، والتجارب الحسيّة، والقياسات المادية. والعلاقة الروحية على ما لها من أحكام ومجريات، لا تخضع لأحكام العقل وحده، بقدر ما تخضع لتجربة الإيمان، فالمقصود بالكون ما هو كائن، مادياً كان أم روحياً، وهذا ما يفسّر جعلنا العلاقة على وجهين، غير أنهما وجهان لا يتجزأ جوهرهما».
اعتبر خليل رامز سركيس أنّ العقل هو في خدمة العلم، والعلم في خدمة الإنسان، فلا تناقض بينهما «الدين والعلم فعل معرفة، والمعرفة يد الله في قصده الأجلّ: تحرير الإنسان». الحرية بالنسبة إليه هي محرك عمل الإنسان، وعماده عمله المأخوذ بالفرح المشتهى وعمله عماد وجوده. نجده يقول: «الحرية نمو في الحقيقة، في الحب على نحو يتخطى التأمل الى العمل، العمل في العالم، لأجل العالم... كل جهد يشارك في اكتمال العالم وبالتالي يحقق مشيئة الخالق: الخلاص».

تكريم خليل رامز سركيس: 18:00 مساء الأول من حزيران (يونيو) ــ قاعة «كلية الهندسة»، «الجامعة الأنطونية» (بعبدا) ـــ للاستعلام: 05/924075



البرنامج

تقيم «الجامعة الأنطونية» برنامجها التكريمي تحت عنوان «خليل رامز سركيس، فيلسوف الكلمة والآخر» ويتضمن: كلمة رئيس الجامعة الأب جرمانوس جرمانوس، وفيلم وثائقي بعنوان «صوت الغائب» (إعداد نضال ايوب، وإخراج حسين زغيب)، تقديم الكتاب التكريمي (باسكال لحود) وكلمة لخليل رامز سركيس، وتقديم الدروع ورفع الستارة عن اللوحة التذكارية. ويوزع في ختام الاحتفال كتاب «خليل رامز سركيس: فيلسوف الكلمة والآخر».