منذ أسابيع، اتجهت أنظار العالم أجمع إلى القصير. صارت تلك البقعة الجغرافية «نجمة» الساحات العسكرية والإعلامية اليوم بعدما باتت حجر الزاوية الذي سيحسم مسار المعركة في سوريا كما تدعي الجهات المتصارعة. لعلّ هذا ما جعل الإعلام العربي يضع ثقله في المعركة. طبعاً، ثابرت كل محطة على التحصّن بدشمها، منتهجةً المبدأ عينه في تغطية الأحداث في سوريا واستشراس لافت لدى بعض القنوات، ولا سيما «العربية».
طوال الأيام الماضية، أعطت المحطة السعودية انطباعاً بأنّها «أم الصبي» وراعية المعارضة السورية المسلحة، أكان في نشرات الأخبار أم برامجها الحوارية السياسية. تبعتها زميلتها «الصدوقة» في هذا المجال «الجزيرة»، وعلى نحو مخفف «bbc عربي» التي انطوت تقاريرها على نفَس انحيازي مغطى بالتوازن بين الطرفين المتنازعين. وسط هذا، بقيت القنوات المحلية على اصطفافها مع علو نبرة mtv ومتابعة حثيثة لـ«المنار».
بدت الأخبار والأحداث عند القناة السعودية أنّها انتهت عند حدود «القصير». منحت «العربية» شاشتها للمعارضين الميدانيين والسياسيين. في التقارير الإخبارية، استندت القناة إلى شرائط مصوّرة أرسلها المعارضون تظهر تعرّضهم للقصف. بهذه المشهدية، روّجت القناة لهذا الفصيل كضحية يتعرّض للتهديد وأقحمت معه أهالي المدينة «المحاصرين من قبل ميليشيات «حزب الله» وقوات الأسد» الذين يدفنون قتلاهم تحت حزام النار، مانحةً المعارضة صفة الدفاع عن البلدة وأهلها. عادة ما تستقي «العربية» أخبارها، وتحديداً عن «حزب الله» من «الجيش السوري الحر». الأخير راح يشهر «بطولاته»، أكان في الكمائن المنصوبة أم حتى بأعداد عناصر الحزب المصابين وأرتال الدبابات المعطوبة، حتى إنّ مراسل «العربية» نقل عن «الجيش الحرّ» أنّ «حزب الله» أعلن التعبئة العامة في صفوفه وسحب جميع عناصره من المناطق اللبنانية ليتجه صوب القصير. على خطى «العربية»، سارت القناة القطرية لكن بوتيرة أخف. اتكأت على المصادر عينها والصور المتكررة المرسلة من المدينة السورية المتحدثة عن إنجازات «الحرّ»، وأضافت اليها مصادر تسمى حقوقية أطلقت تحذيراتها من وقوع مجازر في صفوف المدنيين في حال دخول قوات النظام إلى هناك. أما «bbc عربي»، فعمدت في غالب الأحيان إلى بث الشرائط عينها التي تتبناها «العربية» وتظهر فيها مقاتلين يثيرون الشفقة لأنهم يتعرضون للقصف، مع محاولة إيهام المشاهد بالتوازن الذي تقيمه بين المعارضة والموالاة والاستناد دوماً إلى «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي لا ينطق إلا بالسياسة المنحازة إلى جانب القوى المعارضة. كذلك لم تغفل القناة عن استخدام المصطلحات المذهبية التي تطلقها واعتادتها الآذان من قبل الفضائيات العربية والأجنبية.
في الداخل اللبناني، بدت mtv «رائدة» في الانقضاض على «حزب الله». في أحد تقاريرها، أوردت أنّه «كلما استعرت المعارك السورية، غاص «حزب الله» أكثر في لعبة الدم في الشام، حاصداً مزيداً من التورط والإدانة الدولية لأفعاله». وتحدّثت قناة المرّ عن أعداد كبيرة من الإصابات في صفوف الحزب، ولا سيما من «النخبة» كما سمتهم، مستندة كزميلاتها إلى مصادر المعارضة السورية، وخصوصاً في ادعائها أنّ «شهود عيان رأوا أعداداً كبيرة من هذه العناصر مدجّجة بالأسلحة قادمة من الهرمل إلى القصير»، فضلاً عن تكرارها روايات الكمائن والإصابات في صفوف الحزب. في المقابل، نصّبت «المنار» نفسها متحدثاً رسمياً وفريقاً ميدانياً يتنقل في المدينة وينقل المعلومات والصور. لا شك في أنّ القناة الموالية للنظام السوري، وضعت في سلم أولوياتها هذه التغطية بغض النظر عن الأحداث الداخلية التي تجعل هذه المنطقة «معقلاً للجماعات المسلحة في وسط سوريا».
في ظل هذه المشهدية الإعلامية المقسومة عمودياً، ركّز الكلّ على خبر غير منطقي أوردته «الميادين» عن استيلاء الجيش السوري في القصير على آلية عسكرية صهيونية، تبعتها قناة «الجديد» أول من أمس متحدثةً عن وجود ضباط إسرائيليين في المعركة. في المحصلة، إنّ الانقسام الإعلامي، وبالتأكيد من ورائه السياسي وتناتش المصالح في هذه المدينة، يعكسان صورة مصغرة لما يجري وجرى في المناطق السورية الأخرى وكيفية تعاطي الإعلام معها. لا شيء جديداً ربما في الاستراتيجية، أكان موالاة أم معارضة، لكن لا شك في أنّ الإعلام وضع ثقله الكامل في المعركة، ليؤكّد أنّ الحرب إعلامية في المقام الأول.



mtv بريئة

روّجت بعض الوسائل الإعلامية أمس لخبر عن «تواصل» بين المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي وقناة MTV اللبنانية على تويتر. بعد كشف بسيط على الحساب الافتراضي لكل من الطرفين، تبيّن أنّ أدرعي ذكر القناة في إحدى تغريداته. وجاءت الأخيرة تعليقاً قلّل من أهمية خبر نشرته قناة المرّ على حسابها الخاص بالأخبار العاجلة عن تعرّض إحدى المركبات الاإسرائيلية لقصف في الجولان المحتل. وبعد البلبلة التي شهدتها مواقع إخبارية عدّة، عمدت المحطة إلى إزالة تغريدتها. كل ما في الأمر أنّ المتحدث الذي شهرته «الجزيرة» متابع جيّد لوسائل الإعلام اللبنانية ويحاول «التحركش» بها من وقت إلى آخر!