كان | منذ أن قدّم يسري نصر الله رائعته المقتبسة عن رواية إلياس خوري «باب الشمس» (كان ــ 2003)، لم تحقّق القضية الفلسطينية حضوراً أكثر تألقاً من ذلك الذي نالته أمس مع عرض فيلم «عمر» لهاني أبو أسعد ضمن تظاهرة «نظرة ما» خلال الدورة الـ 66 من «مهرجان كان السينمائي الدولي».
لم تتسع القاعة للجمهور الغفير الذي استقبل الفيلم بحفاوة بالغة؛ إذ راحت القاعة تصفّق لأكثر من 10 دقائق تحيةً لفريق الفيلم، وتفاعلاً مع قصته التي تروي مغامرات ثلاثة شبان فلسطينيين يؤسسون فرقة فدائية لمقاومة الاحتلال، ويقنصون أحد الجنود الإسرائييلين المكلّفين حراسة جدار الفصل العنصري، فتلاحقهم مخابرات العدو بشتى أنواع القمع والدسائس والابتزازات، محاولةً استقطابهم للتجسس على كتائب الأقصى التي ينتمون إليها.
إلى جانب مرافعته الفكرية دفاعاً عن الحقّ في المقاومة، أضاء الفيلم على الأساليب المقيتة التي تمارسها مخابرات الكيان الغاصب بحق المعتقلين الفلسطينيين من تعذيب جسدي ونفسي إلى ابتزاز أخلاقي وجنسي. وكالعادة في أفلام صاحب «الجنة الآن»، لم تأت صورة المقاوم الفلسطيني نمطية أو صنمية، بل ظهر «عمر» الشخصية الرئيسية في الفرقة الفدائية، في صورة إنسانية مؤثرة. هو شاب عاشق، مثل كل أبناء جيله، يضطر يومياً إلى تسلق جدار الفصل للعبور من رام الله إلى قرية مجاورة من القرى الفلسطينية المحتلة، حيث تقيم حبيبته. انخراطه في المقاومة لم يحدّ من إرادة الحياة لديه. هو يتطلع إلى الزواج والقيام برحلة إلى باريس لقضاء شهر العسل. لكن كل تلك المشاريع الحالمة تصطدم بدسائس مخابرات الاحتلال التي اعتقلته ثم تعمدت إطلاقه بسرعة لتشويه سمعته وإثارة الشكوك في أنّه متعاون مع العدو.
في حديث مع «الأخبار»، اعترف هاني أبو أسعد بأنّ عمله يحمل تأثيرات واضحة من المعلم المصري الكبير عاطف الطيب، وخصوصاً فيلمه «البريء» لجهة المنحى النفسي في نحت شخوصه الحائرة والممزقة في مواجهة القمع والاحتلال، ما يؤدي إلى التباس صورة المقاوم البطولية بشبهة التعاون مع العدو، حيث لا تنكشف حقيقة الموقف البطولي لعمر إلا في المشهد الختامي. هنا يستدرج عمر ضابط المخابرات الإسرائيلي، موهماً إياه بأنّه مستعد للتعاون معه، ويحتاج إلى تزويده بمسدس لاغتيال قائد كتائب الأقصى. ويقوم الضابط بتدريبه على استعمال السلاح. وفجأة يذكّره عمر بنكتة مفادها أنّ الصيادين في أفريقيا يوقعون بالقرود من خلال وضع قطع سكر في حفر ضيقة، فيدخل القرد يده ويحكم قبضته على حبة السكر، ثم يعجز عن إخراج يده من الحفرة، فيبقى أسيراً إلى أن يقبض عليه الصيادون؛ لأن الجشع يمنعه من التخلي عن السكر لإنقاذ حياته. وفي اللحظة التي يتسلم فيها عمر المسدس من الضابط الإسرائيلي، يدير المسدس باتجاهه، ويسأله قبل أن يرديه قتيلاً: «هل تذكر كيف يصطادون القردة في أفريقيا؟».