القاهرة | منذ 1934، عام انطلاق الإذاعة المصرية للمرة الأولى، مروراً بعام 1960، بدء ارسال التلفزيون الحكومي في مصر، لم يشهد مبنى «ماسبيرو» أي اعتصامات أو إضرابات أدّت إلى وقف نشرات الأخبار كما جرى أول من أمس في إذاعة «راديو مصر» التي انطلقت في نيسان (أبريل) عام 2009. كانت الأخيرة أول إذاعة مصرية تجمع بين الأخبار والأغنيات قبل أن تشهد دخول مجموعة من البرامج الإذاعية التي حققت نجاحاً كبيراً جعلت المحطة الوليدة تنافس اللاعب الوحيد على ساحة الراديو في مصر أي «نجوم إف إم».
لكن في عهد الإخوان المسلمين ووزير الإعلام صلاح عبد المقصود المتَّهم بالتحرش لفظياً بالاعلاميات، توقفت النشرات والموجزات وبرامج الهواء ابتداءً من الساعة الرابعة من عصر الأحد الماضي. جاء ذلك بعدما تمرد العاملون في الإذاعة رافضين قرار النقل التعسفي الصادر بحق مدير الأخبار في «راديو مصر» شادي جمال، والمحرّر في الإذاعة ناصر سند. تعود هذه الأزمة إلى الثاني من أيار (مايو) يوم نقل محرّرو الإذاعة عن الشريط الإخباري للتلفزيون الحكومي خبر افتتاح الرئيس محمد مرسي لكوبري مشاة ضمن مشاريع عدة للقوات المسلّحة. هذا الخبر أثار سخرية كبيرة في صفوف معارضي الرئيس، فاتصل وزير الاعلام صلاح عبد المقصود معنِّفاً فريق العمل، ومتّهماً إياه بتعمّد إهانة الرئيس. لكن مدير الأخبار في الإذاعة شادي جمال رد بخطاب رسمي أكد فيه أنّ نقل الخبر عن التلفزيون المصري أمر معتاد، كما أنّ الخبر لا يحوي ما يهين الرئيس وأنّ نشرات الأخبار التالية شهدت تناول كل المشاريع التي افتتحها الرئيس وعدم التركيز على كوبري المشاة.
صمت الوزير أسبوعين كاملين قبل أن يقرر نقل جمال وأسند مهمّة الإدارة إلى اسم آخر، ما فجّر غضب العاملين في الإذاعة، خصوصاً أنّهم كلّهم من جيل واحد. واعتبروا القرار بداية لتغيير البنية المهنية للمحطة التي حافظت على استقلاليتها إلى حد كبير منذ إطلاقها في عهد آخر وزير اعلام في زمن مبارك أنس الفقي. وبالفعل، توقفت النشرات والبرامج نهائياً، وتحولت الإذاعة لبثّ الأغنيات فقط. هذا الاحتجاج دفع وزير الإعلام إلى التفاوض مع وفد من العاملين في الإذاعة. وعلمت «الأخبار» من مصادر داخل المحطة أنّ صلاح عبد المقصود قال صراحةً للوفد بأنّه لن يتراجع عن قراره لأنّه وزير، وعلى العاملين التقديم بطلب التماس إذا وافق هو على التراجع الذي لا يراه في محله. وأضاف الوزير حرفياً: «انتو مش بتقولوا في الاعلام اننا ه نأخوِن ماسبيرو؟ طيب يبق ه نأخونه بالفعل». ومع تزايد الضغوط بسبب شعبية «راديو مصر» الكبيرة في الشارع المصري، أصدرت وزارة الاعلام بياناً وصفه العاملون في الإذاعة بأنّه كتلة من الأكاذيب. إذ ادعى البيان أنّ قرار النقل اتخذ بعد تحقيقات مستفيضة وأنّه متوافق مع القانون، وهو ما نفاه العاملون، إذ لم يتم استدعاء أي فرد في المحطة لإجراء تحقيق رسمي. كما أنّ لا قانون يقضي بنقل المحررين إذا بثوا خبراً يؤكد أنّ رئيس الجمهورية افتتح كوبري مشاة!