عند كل مفترق وطني، لا يسع قناة otv إلا استحضار لغة الحرب ونبش القبور ونكء الجراح، وتحديداً ما جرى خلال الحرب الأهلية بهدف النيل من خصومها السياسيين. أول من أمس، كان يُفترض أن تعقد جلسة في المجلس النيابي لإقرار قانون انتخابي، حيث كان مشروع القانون الأرثوذكسي البند الأول والأخير. ثم أرجئت إلى اليوم بعد خروج مقترح قانون آخر من جعبة «14 آذار» وانضمام «القوات اللبنانية» إلى هذه القوى بعدما كانت مؤيدة للأرثوذكسي تحت عباءة بكركي. هكذا، وصفت القناة البرتقالية ما حصل بـ«13 تشرين سياسي» و«انقلاب» وشنّت حملة إعلامية طوّعت فيها برامجها في خدمة هذا التجييش، خصوصاً الحوارية. كذلك، قامت بابتكار «سبوت» إعلاني (37 ثانية) يظهر زعيم «القوات» سمير جعجع وهو يقرّ بموافقته على القانون الأرثوذكسي لأنّه «يؤمن العدالة في التمثيل» لينتهي على شعار «قوتنا بوحدتنا... ما تفرطوا فيّا». وأُرفق «السبوت» بصورة ملوّنة تجمع الأقطاب المسيحيين (ميشال عون، سليمان فرنجية، أمين الجميّل، وسمير جعجع والبطريرك الماروني بشارة الراعي)، باستثناء صورة جعجع باللونين الأبيض والأسود للدلالة على «خيانته». وفتحت «أو. تي. في» الهواء لاتصالات المشاهدين واستضافة وجوه من «تكتل التغيير والإصلاح»، مع مداخلة للأب كميل مبارك الذي أثنى على «الأرثوذكسي». الأمر لم ينته هنا. الحصة الأكبر من التجييش تركزت في النشرة المسائية مع مقدّمة نارية هاجمت جعجع صاحب مقولة «أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار» الذي «بات عاشقاً للوحدة الوطنية عشق قيس لليلى»، مع الإمساك بعصا التهويل حين قالت: «الانسحاب من معركة الأرثوذكسي يعني التخلي عن 450 ألف مسيحي (..) وجعلهم أسلاباً ومغانم لمشيخة الحريري وإقطاع جنبلاط وتشاطر الحالمين باستعادة أمجاد الثنائية السنية الشيعية على أنقاض الوحدة المسيحية».
الكلام السياسي المطليّ بالطائفية الوارد تبعه تقرير قلّب صفحات الحرب الأهلية واستذكر فصولها في المناطق المسيحية. هنا، ظهر جعجع بالبذلة العسكرية في المجلس الحربي وبدأ التقرير الكلام عما حدث وقتها مستعيداً صوراً وعبارات بشعة من تلك المرحلة، كأن يقول المعدّ: «لن يصدق كل من رأى جسداً مسحولاً على درب الجبل أو في شرق صيدا (..)»، ليعدّد حقوق المسيحيين المسلوبة في العراق وسوريا ومصر والسعودية. وخلص إلى أنّه بعدم تصويت «القوات» على القانون، تُبقي «مشروع غازي كنعان ورفيق الحريري» حياً في السطوة على المسيحيين، مع تنويه بـ«حزب الله» الذي صدق بوعده بخلاف وليد جنبلاط (المتلوّن) وجعجع. الحملة استكملتها otv ليلاً مع «حرتقجي» الذي عُرض مباشرة للمرة الأولى، متخذاً مسار التخويف من جبهة «النصرة» وخطرها على المسيحيين. وفيما بقيت لغة شد العصب سيدة الموقف على otv، هلّلت «المستقبل» «لدفن الأرثوذكسي» ورأت mtv أنّ ذلك شكّل «انتصاراً لقوى 14 آذار». وبين القطبين مشاعر تغلي وأسئلة عن الاستعانة بلغة الحرب من أجل التوظيف السياسي والفئوي.