يحق لنا كسوريين أن نحتفل. ثورتنا ضد النظام المجرم أوصلتنا إلى مكان صرنا نتباهى فيه بتصدير أنفسنا كوحوش تأكل جثث بعضها من دون رادع، وتتسابق على أكبر قدر من الحقد والتفنن المريض في تصدير دمويتنا إلى الضمير العالمي الذي قرر فجأة أن يهتز. بعد تداول واسع لفيديو ظهر قبل أكثر من أسبوع لأحد عناصر المعارضة المسلحة وهو ينتزع قلب جندي سوري ويلتهمه، خرجت الصحف العالمية عن طورها بدءاً من مجلة الـ«تايم» الأميركية التي أجرت لقاءً مع مرتكب الجريمة الشنيعة خالد الحمد. راح الأخير يبرر فعلته، زاعماً بأنّه وجد فيديو على هاتف الجندي الضحية الذي صوّر امرأة سورية وبناتها ثم تفنّن في اغتصابهن قبل أن يُقدم على قتلهن. وأضاف أنّه يحتفظ بمقطع آخر لتقطيع جثة شبيح بالمنشار، مشيراً إلى أنّ النظام هو البادي، لذلك فإنهم يطبّقون مبدأ العين بالعين والسن بالسن. لا نغالي لو قلنا إنّ هذا الفيديو شكّل لحظة مفصلية في نظرة الإعلام الغربي إلى ما يجري في الشام. اعتبر موقع CNN أنّ «هذا النوع من الأفعال يبيّن درجة الهمجية التي يمكن أن تبلغها الحرب الأهلية الدائرة في سوريا»، فيما صُدمت صحيفة الـ«اندبندنت» بهذا «المشهد المريع والمرعب واللا إنساني». أما صحيفة الـ«غارديان» البريطانية، فهالها الفيديو بعدما نقلت لقاء الـ«تايم»، وعادت لتلتقي نديم حوري نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش». اعتبر حوري أنّ إدانة المعارضة لهذه الأفعال لا تكفي طالما أنّ «الثورة انطلقت ضد دموية النظام وإجرامه». بالتالي، على المعارضة أن توقف هذه الممارسات على
الأرض.
لكن مهلاً، بالتزامن مع انتفاضة الوعي الغربي في وجه الدموية المفرطة التي تصدرها الأزمة السورية، هناك مقطع فيديو أشد دموية وهمجيةً بدأ ينتشر في الساعات الأخيرة على صفحات التواصل الاجتماعي مع تحذير من دمويته وادراج إجراءات احترازية لمشاهدته كأن يدخل المُشاهد عنوان بريده الإلكتروني وكلمة السر الخاصة به حتى يتمكّن من فتحه. يظهر الشريط مجموعة من الأمن والشبيحة وهم يقومون بقطع الأعضاء الذكرية لمجموعة من الجثث ويضعونها في أفواه أصحابها (...)، إضافة إلى وضع العصي في مناطق حسّاسة من جثثهم الغارقة في الدماء وسط تداخل أصوات القتلة وسخريتهم وشتائمهم وأسئلتهم عن عدد النساء اللواتي اغتصبن على أيدي هذه الجثث. وتظهر في أسفل الفيديو الرسالة التالية: «قامت «كتيبة فرسان مؤتة» التابعة للواء «المهاجرين» و«الأنصار» بتصفية أحد شبيحة «اللواء 52 ميكا» في محافظة درعا بقيادة العميد محمد الخطيب. وتم العثور على هذا المقطع في جوّاله، وقد عُرف أحد منفذي الجريمة وهو الملازم أول سومر يوسف، ولمن يتعرّف إلى أحد الاشخاص، مراجعة المكتب الاعلامي للواء والكتيبة».
لم يعد أحد يعرف كيف عشّش كل هذا العنف في عقليّة السوريين، ولا أحد يعرف مصدر السادية والتشفي الهمجي الذي بلغوه وتباهيهم بعنف يحتاج أصحابه إلى فرق كاملة من الأطباء النفسيين علّهم يعيدون إليهم ولو جزءاً بسيطاً من إنسانيتهم الضائعة.