في 5 أيار (مايو)، اعتقلت السلطات السورية الصحافي الألماني آرمين فيرتس (1945) في حلب. لكنّ القضية لم تطفُ على الإعلام إلا حين بعث الصحافي قبل أيام رسالة إلى أحد أصدقائه حيث طلب المساعدة العاجلة بعد نقله مع معتقلين آخرين إلى اللاذقية. هنا، تنبّهت وزارة الخارجية الألمانية ومنظمة «مراسلون بلاحدود»، وبدأت تعمل على نشر الموضوع. التهمة التي وجِّهت إلى فيرتس هي دخول البلاد بطريقة غير شرعية ومن دون تأشيرة لتغطية الحرب الأهلية هناك، وخصوصاً أوضاع النازحين، علماً أن فيرتس يعمل في إندونيسيا مع جريدتين آسيويتين، إضافة إلى أنّه مراسل جريدة «تاغس شبيغل» الألمانية.
المؤكّد أنّ الحكومة الألمانية ستطالب بمواطنها كما تفعل كل الدول التي تحترم صحافييها، وسيعود إلى أهله على الأرجح. لكنّ المؤكد أنّ مذيع الأخبار في التلفزيون السوري ومدير الفضائية الأسبق أحمد حاج عمر (1976/2013) لن يعود إلى أهله. فقد رحل الإعلامي السوري صباح أمس بعد 72 ساعة على إصابته بجلطة دماغية ونزف حاد وشيِّع من «مستشفى الشامي» في دمشق إلى «جامع سعد بن معاذ» فمقبرة «ميدان حقلة» من دون حضور أهله المقيمين في إدلب، وتحديداً في سراقب (قرية معردبسة) حيث تسيطر المعارضة المسلحة من جيش حرّ، وجبهة «النصرة» و«كتائب الصحابة»... تصول تلك الفصائل وتجول على هواها، ثم تنكل بالعباد وتوجه التهديدات وتنفذها في بعض الأحيان. أحمد حاج عمر كان أمام محاكمة شبه يومية: بعد كل نشرة أخبار يطلّ فيها عبر التلفزيون السوري، كانت المعارضة المسلحة تُرسل تهديدات إلى أهله. وفي إحدى المرات، نفذت تلك التهديدات، فقتلت بطريقة بشعة ابنة شقيقه مع زوجها وأولادها. وفي مرة ثانية، ضُرب أخوه وأهين لأنّ المذيع الراحل كان ما زال على رأس عمله في «تلفزيون النظام» ولم يعلن انشقاقه. طبعاً، لم ينتبه المجرمون الذين أزهقوا أرواح أشخاص أبرياء، وعذبوا آخرين بسبب مذيع أخبار إلى أنّ الأخير كان ينفذ ما يملى عليه من دون قدرة على التأثير في منظومة إعلامية محكومة بقبضة أمنية مشددة.
بعدما قُصف منزل عائلته في إدلب، ثم هدم منزله في دوما، اضطر أحمد حاج عمر لاستئجار منزل صغير في قلب دمشق والمواظبة على عمله في موازاة ما يصله من تهديدات؛ لكونه المعيل الوحيد لزوجته وأطفاله الثلاثة وأكبرهم في التاسعة. والنتيجة أنّ المذيع السوري لم يستطع أن يعتد الهول الذي اعتادته نسبة كبيرة من أبناء بلده، فانفجر دماغه ورحل. وقد سارعت وزارة الإعلام السورية إلى تعيين زوجته مكانه في التلفزيون السوري حتى تتمكن من إعالة أيتامها، كما أفاد بعض زملائه في حديث مع «الأخبار» بعدما أجمعوا على مهنيّة الرجل وأخلاقه العالية ودماثته في مشواره الإعلامي. مصير الإعلاميين السوريين صار أشبه بقدر محتوم هذه الأيام: اعتقالات ورصاص يلاحقهم من طرفي النزاع، أو تفجير يحوّل أجسادهم إلى فتات. ومَن يحالفه الحظ في النجاة، فلن يصمد أمام الأزمات القلبية والدماغية!