السياسات الثقافية والفنية، وإقتناء الأعمال الفنية في تركيا، وخاصة في إسطنبول منذ العهد العثماني مروراً بمطلع عهد الجمهورية التركية حتى يومنا، ستكون محور المناقشات والمشاريع البحثية في «عروق بلاستيك» الذي تنظمه المعدة الفنية التركية زينب أوز. يعيد المشروع قراءة تاريخ جمع وإقتناء الأعمال الفنية الذي إنتقل من يد الدولة إلى المؤسسات الخاصة ثم إلى الأفراد، خلال قرابة نصف قرن، مع التركيز على الدور الأساسي الذي لعبته المصارف الخاصة. ليست إسطنبول إلا مثالاً لما يجري في سائر العالم، وما يحدث في بيروت مؤخراً كما تقول زينب أوز لـ «الأخبار».
وللتعمّق أكثر في المشروع، قامت أوز بدعوة محاضرين وفنانين لتقديم محاضرات ومشاريع فنية تمتد على ثلاثة أيام، وتتوزع على المراحل الثلاثة: من سلطة الدولة إلى المؤسسات الخاصة، فالأفراد. في ١٩/ ٥، يقدم المتخصص في الفترة العثمانية والأستاذ في جامعة «هارفرد» جمال كفادار محاضرة حول «سياسات الثقافة منذ أواخر الإمبراطورية العثمانية وحتى الجمهورية التركية»، ويسلط الضوء على المواقف المتغيّرة إزاء الفنون واللغة في سياق المشاريع السياسية الشمولية. ثم تقدم زينب ياسا يمن محاضرة حول «مؤسسات الفنّ في تركيا الحداثة» لتتناول قراءة عبر التاريخ لدور المؤسسات في رعاية الفن. في ٢٣/٥، ننتقل إلى تحولين أساسيين في تاريخ الفن في إسطنبول. الأول عام ١٩٥٤، حين إختارت لجنة عالمية لوحةً تجريدية في مسابقة فنية أقامها أحد البنوك ومنحتها الجائزة. قرار أثار سجالاً واسعاً، ونقطة تحول في مقاربة الأعمال الفنية في إسطنبول. من خلال محاضرة أدائية، يعيد «شمس تشرق» الذي تقدّمه كريستين خوري ومها مأمون وديليك ونشستر قراءة البلبلة الحاصلة حول تلك المسابقة الفنية. كذلك، تقدم سارة نيل سميث عرض «إستراق السمع في اسطنبول ١٩٥٤» متناولة سيرة خمسة أفراد لعبوا دوراً أساسياً في الفضيحة التي رافقت المسابقة الفنية ذاتها. أما التحوّل الثاني، فكان إثر إعلان إفلاس عدد كبير من المصارف في تركيا بين ١٩٩٨ و٢٠٠١، وطرح مجموعاتها الفنية الكبيرة من الفن الحديث والمعاصر في المزاد العلني. عبر استلهام هذه الأحداث الدراماتيكية التي شكّلت منعطفاً في توسيع سوق الفن في تركيا، وإدراج الفن ضمن إطار المؤسسات، يقدم ديليك ونشستر «الأربعاء الأسود» وهي لعبة لوحية يشرك فيها الحضور، وترتكز إلى فكرة المزاد العلني ومختلف سيناريوهات الـ «ماذا لو». أما في اليوم الأخير، أي ٢٥/٥، فيقدم بوراك أريكان محاضرة أدائية بعنوان «عبور بنى تشبيكية»، محاولاً قراءة التشبيكات بين مقتني وجامعي التحف الفنية، والفنانين، والمعارض الفنية، راسماً خرائط تجمعهم، وتصلهم ببعضهم. إنها باختصار خريطة الفن في إسطنبول، وصنّاعه، وعارضيه، وممتلكيه. ويختم غراهام بيرنيت بمحاضرة حول دور «النظاميات والتصنيفات وممارسات الإنتقاء» في تاريخ إنتاج المعرفة والتجربة الجمالية. عبر هذه المحاضرات والعروض، يقدّم «عروق بلاستيكية» قراءة مثيرة جداً لتاريخ الفن وعلاقته بالجهة الراعية له في إسطنبول، من الدولة إلى المؤسسات فالأفراد. فرصة مميزة للغوص في خفايا السياسات الفنية وربما لمحاولة إستشراف واقع بيروت الفنيّ ومستقبلها أيضاً.

«عروق بلاستيك»: ١٩ و ٢٣و ٢٥ أيار _ «متروبوليس أمبير صوفيل»، و«فضاء أشغال داخلية»