مجموعة من المقالات التي نشرها الناقد والفنان التشكيلي فيصل سلطان على مدى 17 عاماً في جريدة «السفير»، تحوّلت بين دفتي كتاب إلى عمل توثيقي للمحترف التشكيلي في لبنان. تحت عنوان «كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت» (دار الفارابي) الصادر ضمن سلسلة «كتاب السفير»، يعيدنا العمل إلى المشهد الفني للمدينة والوجوه التي صنعته في المرحلة الممتدّة من 1976 حتى 1993. سنوات الحرب وإعادة الإعمار حملت معها نقلات وتحوّلات مهمة في المحترف اللبناني. صحيح أنّها شهدت أحياناً هبوطاً في حركة النتاج قياساً بسنين ما قبل الحرب، إلا أنّها خلقت تجارب وأصواتاً جديدة، جاعلةً الحرب مادّة فنية لا تزال تلازم أعمال جيل اليوم. عايش الأكاديمي اللبناني تلك الفترة على الصعيد النقدي، ومن خلال مشاركاته الفنية أيضاً، ما جعله منغمساً في الجو الصحافي وعلى مقربة من التشكيليين وفضاءاتهم. تقسم مقالات سلطان في الكتاب إلى ثلاثة محاور أساسية («سيرة»، «حوار»، «معرض») إضافة إلى محوري «بانوراما» عن معارض بيروت، و«توثيق». ترافقت هذه المحاور مع صور بالأبيض والأسود لأعمال الفنانين، ما أغنى الكتاب وأسهم في تعريف جيل اليوم بها.
في «سيرة»، أنجز سلطان سيراً أو بورتريهات لـ 22 فناناً، مع استعادة نقدية لتجارب بعض الروّاد، ومقالات نشرت في ذكرى رحيلهم، مثل جبران خليل جبران من خلال بورتريه عن حياته، ودراسة لأسلوبه وتأثراته، ويوسف الحويك الذي استحضر بعض تماثيله ومنحوتاته. كذلك، نقرأ التحولات في فن حليم جرداق، وتجارب أمين الباشا، وهلن الخال، ومصطفى فروخ، وعمر الأنسي وغيرهم. يحتوي المحور الثاني «حوار» على 17 حواراً أجراها الأكاديمي مع بعض من أصحاب التجارب الجديدة من نحاتين وتشكيليين. وفي «معرض»، نقرأ تغطية لأبرز المعارض المقامة في بيروت وبعض العواصم الأوروبية مثل برلين وباريس، إضافة إلى رصد حركة النتاج الفني وتنوّعه آنذاك الذي جمع أسماء كصلاح صولي، وناديا صيقلي، ومحمود الزيباوي، وبعض التجمعات العريقة مثل «معارض الخريف» في متحف «سرسق» منذ دورته الأولى عام 1961 حتى 1986 والمشاركين فيها، ومجموعة «العشرة» التي انطلقت مطلع السبعينيات. هذا القسم يشتمل أيضاً على تأريخ آخر للغاليريهات والفضاءات الثقافية التي اندثر جزء منها بسبب الحرب الأهلية، فيما لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم.