يليق جداً بوزير الطاقة والمياه جبران باسيل أن يطبّق على نفسه اسم الحملة التي أطلقتها وزارته أخيراً «ما تعلّق تما تعلق» الخاصة بكشف المتعدّين على شبكة الخطوط الكهربائية. «علّق» باسيل نفسه في معمعة كان في غنىً عنها، وقد تكون تداعياتها أقوى من مخاطر السرقات نفسها؛ إذ انهالت الانتقادات على الوزير اللبناني من الخصم قبل الصديق حين نشرت lbci يوم الجمعة الماضي تقريراً يكشف إنجاز كتيّب (أوضح باسيل لاحقاً أنّه من إنتاج شركة spectrum لا الوزارة) على طريقة الشرائط المصوّرة بعنوان «حلم وطن». يستشرف الكتاب شهر أيّار (مايو) عام 2020، ليعرض «إنجازات» باسيل (بعد استخراج النفط والغاز) برفقة نجله الذي بدا في الرسوم في قمة الاندهاش على خلاف والده الذي يظهره مبتسماً وراضياً إلى درجة الفخر.
كتاب يحوك أسطورة فاقت حدود الخيال العلمي المتطور؛ إذ يصطحب باسيل نجله (يرتدي ملابس برتقالية!) إلى محطة القطار في البترون (شمال لبنان) ويعرض منجزاته من الشواطئ التي باتت مفتوحة أمام العامة وخالية من التعديات، إلى السدود التي أصبحت مقصداً للسياح مثل «سد جنّة» الذي يزوّد لبنان وقبرص بالمياه. ولعلّ الأمر الأكثر فكاهة في هذه الرسوم، هو تصوير معمل الذوق تتراقص فوقه أسراب من الطيور للدلالة على اختفاء الانبعاثات السامة منه. الرحلة البرية تبعتها أخرى بحرية استقل وزيرنا فيها قارباً للوقوف على حقل بيروت الشمسي ومحطة تكرير الصرف الصحي ليصل ونجله إلى منصة التنقيب عن الغاز. عندها يخاطب باسيل ابنه بالقول: «آسف. على أمل أن تكون السنوات التي حرمت فيها من وجود والدك لم تذهب سدى»، ليستكمل حديثه بكلام أكثر نرجسية وشخصنة: «وقفت بتواضع مدركاً أنّني من بين الكثير من المواطنين الذين جعلوا حلمنا حقيقة. جعلوا لبنان مستقراً ومزدهراً».
الفكاهة لا تنتهي هنا. في نهاية القصة/الأسطورة، يكتب باسيل على لوح باللغة الإنكليزية نصيحة إلى ابنه مفادها: «افعل ما تؤمن به، وآمن بما تفعله. الحياة إيمان وفعل، هذا مثل حياتي وهذه نصيحتي لولدي».
لعلّ الأطفال «جافوا» زمن القصص المصوّرة منذ أن غزت التكنولوجيا عالمنا، لكنّ «حلم وطن» الذي تمنى معدّ تقرير lbci بسام أبو زيد تحويله إلى مادة سمعية ــ بصرية لما «يعكسه» في قلوب المتلقين من متعة «للكبار والصغار» على حد قوله، يعبّر فعلاً عن سذاجة معينة. سذاجة تكمن في إعمال الخيال الذي تفوّق على الأساطير، وفي تضمينه الكثير من الشخصنة، عدا الرسائل الانتخابية للترويج للوزير و«إنجازاته» المستقبلية. مع ذلك، يبدو أنّه لن يمرّ حتى على خيال الصغار! هي فعلاً سابقة في لبنان ذهب فيها باسيل إلى تكريس كل هذا الكمّ من تمجيد الذات. وكما علّق أحدهم على التقرير بوصف الوزير بـ«ملك الأوهام»، استغرب كثيرون على الصفحات الافتراضية هذه الخطوة التي تفوقت برأيهم على «الكتاب الأخضر» للرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وعلى سواه من الحكام العرب المصابين بجنون العظمة.