مَن لم يشاهد الحفلتين اللتين قدّمتهما فرقة توفيق فرّوخ السداسية (مايكل جوسان/ترومبون، سيلفان غونتار/ ترومبيت، ولوك أيزنمان/درامز، ولياندرو أكونشا/بيانو، ستيفان كيرسيكي/كونترباص) مساء السبت والأحد في «مسرح المدينة» تحت عنوان «أسرار صغيرة... جداً»، فقد فوّت على نفسه مزيجاً موسيقياً غنيَّ التنوع يقوم على إيقاعات عالمية مخصصة للجاز الحرّ، مع تقنية جيدة في الصوت والإضاءة، وتنظيم مدروس من شباب «نادي لكل الناس».
توفيق فرّوخ (الصورة) المحترف أكاديمياً على آلتيه ألتو وسوبرانو ساكسوفون، لم يتوانَ عن إعادة توزيع مقطوعات ألبومه «أسرار صغيرة» (1998) كـ Fairouz Blues وDance for my Father التي أهداها إلى أبيه، حيث الوقت لم يمحُ شيئاً عكس ما كان يتوقّع توفيق كما قال. قدّم أيضاً بعض مقطوعات ألبوم «سينما بيروت»، بالإضافة إلى مقطوعات أخرى جديدة وتجارب لموسيقى تصويرية كالتي ألّفها لفيلم ميشال كمّون «فلافل». وقد أهدى مقطوعة إلى صديقه الراحل جوزيف صقر وأخرى إلى غسان مطر.
وإن غاب توفيق لسنوات عن مستمعيه، إلا أنّه يعود دوماً بتقنيات عالية في العزف والتوزيع وانتقاء الجمل الموسيقية في مؤلفاته، ليظهر ما يمكن فعله في الجاز بمشاركة خمسة عازفين من الطراز الأول أكاديمياً، يتمتعون بقدرات عالية في العزف والتفريد. موسيقيون يتعاونون معه منذ سنوات، ويؤدّون جمله المتأثّرة بمزيج من الموسيقى الشرقية (كارم محمود، ومحمد عبد الوهاب، والأخوان رحباني) والموسيقى الكلاسيكية (بيتهوفن وهايدن) والجاز (كولمن هوكنز، وستانلي تورنتين، ودكستر غوردون)، بالإضافة طبعاً إلى عدد من تجارب موسيقى زياد الرحباني التي أسهم في إنجازها عزفاً وتفريداً.
مزيج يعرف توفيق مكوناته جيداً في التأليف بين الجمل الشرقية (على مقامات كالحجاز والنهاوند) ممزوجةً بالجمل الغربية المعقدة تقنياً نوعاً ما، مع إيقاعات عالمية ثنائية، رباعية ومضاعفة الوزن، كالسوينغ جاز والهارد بوب والبوسا نوفا، تؤديها هارمونياً وبوليفونياً آلات النفخ بدعم من الباص والدرامز وتأتي خلفيّتها على البيانو. ثم يأتي تفريد هذه الجمل بشكل حرّ وباسترسال كحوار طبيعي بين الآلات، ليظهر التفاعل بين الموسيقيين أنفسهم وبين الحضور، ومن ثم العودة بالجملة إلى البداية، وصولاً إلى النهاية... والنتيجة توفيق فرّوخ في قلب الجاز.