القاهرة | فيما كان يتوقع أن يضحك الجمهور من مقطع الفيديو الذي حمّله أحدهم أخيراً على يوتيوب، تحت عنوان «عمرو دياب خفة دم رهيبة ـــ حفلة دبي 2012»، جاءت النتيجة على العكس تماماً. أثار المقطع سخط الكثير من محبّي أغنية «رصيف نمرة خمسة» التي أداها المغني المصري في فيلم «آيس كريم في جليم» (1992) للمخرح خيري بشارة الذي يعدّ إحدى أبرز علامات السينما الغنائية المصرية خلال العقود الثلاثة الأخيرة. في أحداث الشريط، قدّم عمرو دياب الأغنية التي تولّى تلحينها شخصياً وكتب كلماتها الشاعر اليساري نور الذي أدّى دوره الممثل أشرف عبد الباقي. لكن في الحقيقة، فإنّ مؤلف الأغنية الأصلي هو كاتب السيناريو والحوار أيضاً مدحت العدل. تتطرّق الأغنية إلى المجتمع المصري تحت تأثيرات «الانفتاح» الاقتصادي، فيما تبدو مناسبة للسينما كمشهد عريض يتناول ـــ بكلمات بسيطة ـــ مفردات النسيج المصري بشوارعه وزحامه وفقرائه وأطفاله وباعته الجوالين «الغلابة» ورجال الـ«بيزنس».
ويعتبر اسم الأغنية إسقاطاً على إحدى كلاسيكيات السينما المصرية وهو فيلم المخرج نيازي مصطفى «رصيف نمرة خمسة» (1956). رصيف الميناء المزدحم في الفيلم الشهير (بطولة فريد شوقي وهدى سلطان ومحمود المليجي وزكي رستم) يتحول في الأغنية إلى الشارع المصري بين نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. «رصيف نمرة خمسة والشارع زحام/ وساكت كلامنا ما لاقي كلام/ تسالي يا خال؟ تدخن يا عم؟ تتوه المعاني في لساني لجام». بهذه الكلمات تصف الأغنية الزحمة والضوضاء، وتضيف: «كلاكس التروللي بيسور وداني/ وشحتة المزيّن بياكل وداني»، لتنتقل فجأة إلى بعد اقتصادي سياسي، فيخاطب المغني الفقير «نادي باريس» (المجموعة الدولية لجدولة ديون الدول الفقيرة) قائلاً: «يا نادي باريس/ تعالى حاسبني/ وجدول ديوني/ عشانه وعشاني».
بمفردات بسيطة، تتناول الأغنية أيضاً القسوة الاجتماعية «وعبد الله رشدي المحامي القدير/ بيرفع قضية في باب الوزير/ على عم فكري بتاع البليلة/ عشان مرة زعّق بصوته الجهير»، ثم تصف هوس الانفتاح: «بقالة الأمانة ونصحي السروجي/ عاملين لي شركة في مشروع بوتيك/ ونادوا لعبده الفرارجي يشاركهم/ فردّ بألاطة ما احبش شريك»، قبل أن تتطرّق إلى مآل الحياة في ظل المجتمع الاستهلاكي: «تبزنس تعيش لآخر حياتك/ ولو باعوا فرخة هاتاخد عمولة»، وصولاً إلى مجتمع يملأ شوارعه «أطفال عجايز/ في مهد الطفولة/ وأفلام قديمة وإعلان كاكولا».
ومنذ أيام، فوجئ مشاهدو الفيديو المحمّل على يوتيوب الذي انتشر بسرعة على فايسبوك، بـ«الهضبة» يغنّي المقطع الأخير من دون أن يذكر كلمة «كاكولا». لكنّ الخطوة ليست صدفة، فقد كرّرها النجم المصري مرّتين، مكتفياً بإشارة من يده، في ما بدا احتراماً أكثر من اللازم لتعاقده الإعلاني مع «بيبسي» (المنافس الشرس لكوكا كولا في سوق المشروبات الغازية)، وخصوصاً أنّ «كوكا كولا» استخدمت في الأغنية في سياق انتقادي. لكن ذلك لم يكن سوى واحد من الأمور الكاشفة في فيديو حفلة دبي، فقد قدم دياب للأغنية بأنّها ذات الكلمات غير المفهومة، إذ يحكي ساخراً: «أيام كنا بنتعلم في الأكاديمية (أكاديمية الفنون) كنت تلاقي ناس بيكتبوا: يا نخلة طالعة نازلة طارحة سنابل قمح، واحنا نقولهم برافو»، ثم قرر عمرو «نعمل أغنية زيهم»، قاصداً أغنية «غير مفهومة». ثم يقترح إطلاق مسابقة على الإنترنت لمن يفهم أغنية «رصيف نمرة خمسة» التي يصفها بأنّها «كانت في الفيلم اللي كنت عامله كده من ييجي عشرين سنة»، وقبل أن يغنيها، «يطمئن» الجمهور إلى أنّه سيغني بعدها أغنية «بصراحة بحبها».
سخرية دياب من أغنيته تذكّر بمواقف شبيهة لفنانين آخرين. قبل سنوات، قالت آثار الحكيم إنّها أدّت دورها في شريط داود عبد السيد «البحث عن سيد مرزوق» (1991) من دون أن تفهم شيئاً في الفيلم. أما عادل إمام فقد أعلن أن مشاركته في «الحريف» (1983) ـــ تحفة محمد خان ـــ هي الدور الوحيد الذي ندم عليه.
في فيلم «آيس كريم في جليم»، يرفض المغني المغمور سيف (عمرو دياب) أنّ يغني المزيد من أعمال الشاعر نور، لأنّه يريد أن يغني كلمات تعبّر عنه كشاب، بدلاً من «الحاجات اللي مش فاهمينها». المفاجأة، كما ظهرت في حفلة دبي، تكمن في أنّ موقف «المغني سيف» لم يكن موقف الشخصية فحسب، بل موقف عمرو نفسه.