يكمل «يوم حرية الصحافة العالمي» (3/5) هذا العام سنته العشرين. بعدما وقّع صحافيون أفارقة ما سُمّي وقتها إعلان «ويندهوك» في ناميبيا في 3 أيار (مايو) 1991، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم عام 1993. اتفاق يشترط توأمة حرية الصحافة ووجودها ضمن «بيئة حرة مستقلة متعددة». منذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم موعداً ثابتاً للاحتفاء بحرية الصحافة في العالم والدفاع عن حرية التعبير وفضح الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون ووضع أسس تجرّم مرتكبي أعمال قتل الصحافيين.
هذا العام، اتخذت الأونيسكو شعار «التحدث بأمان: ضمان حرية التعبير في جميع وسائل الإعلام» عنواناً للاحتفالية التي ستقيمها في مدينة سان خوسيه في كوستاريكا (اليوم وغداً) وتحمل ثلاثة محاور: سلامة الصحافيين، ومكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم ضد الإنسانية، والسلامة على شبكة الإنترنت. وكانت المنظمة قد منحت قبل أيام جائزتها للصحافية الإثيوبية ريوت أليمو لشجاعتها «الاستثنائية» وصمودها. وأليمو محتجزة حالياً في أحد سجون بلادها لمدة 5 سنوات على خلفية تحدّثها عن قضايا سياسية واجتماعية، وخصوصاً الفقر والمساواة بين الجنسين. علماً أن الجائزة التي كرّستها الأونيسكو عام 1997 تحمل اسم الصحافي الكولومبي غييرمو كانو إيساسا الذي قضى على أيدي المافيا الكولومبية بعدما أطلق حملته المناهضة لمهرّبي المخدرات.
في الإطلالة على إحصاءات هذه المنظمة الدولية، تشير تقاريرها إلى أنّ «صحافياً في العالم يُقتل كل أسبوع في إطار تأدية وظيفته»، بعدما كان العام الماضي الأكثر دموية، مسُجلاً مقتل أكثر من 121 صحافياً. وفي السنوات العشر الأخيرة، وصل العدد إلى 600.
في مؤشرها السنوي لحرية الصحافة (2013)، عنونت منظمة «مراسلون بلا حدود» تقريرها بـ«خيبات أمل واستقرار بعد الربيع». وفي المؤشرات، تتصدر فنلندا وهولندا والنرويج المراتب الثلاث كـ«أكثر البلدان احتراماً للصحافة»، لتعود سوريا وتتصدّر أسفل القائمة قبل «الثلاثي الجهنمي» (تركمنستان وكوريا الشمالية وإريتريا) وفق تقرير المنظمة. من جهته، سجّل لبنان تراجعاً يبلغ 8 درجات عمّا كان قبلاً، فاحتل المرتبة 101 (من أصل 179) بين الدول المحترمة لحرية الصحافة بسبب ما وصفته المنظمة «بالاستقطاب الشديد لوسائل الإعلام اللبنانية بسبب النزاع في سوريا».
ميّز التقرير بين 3 تصنيفات تقع فيها دول «الربيع العربي»، حيث دفع الإعلاميون «ثمناً باهظاً» جراء تغطيتهم للتحركات الاحتجاجية، منها تونس ومصر وليبيا، التي تغيّرت فيها الأنظمة جذرياً، وسوريا والبحرين اللتان تتعرضان للقمع، وأخيراً بلدان أخضعت نفسها «للتسوية»، هي المغرب، الجزائر، عُمان، الأردن والسعودية. ووصف التقرير تركيا بوصفها «أكبر سجن في العالم»، وخصوصاً لجهة الصحافيين الذين يوجهون انتقاداتهم للسلطات هناك حول المسألة الكردية.
في لبنان، فضّلت جمعية «مهارات» المعنية بالحريات الإعلامية هذا العام عدم إعداد تقرير سنوي يضم تعداداً للحالات التي تعرّضت للقمع أو للمضايقات، وحتى التصفية الجسدية. واكتفت ببياناتها التي كانت تصدرها بعيد حصول خروقات على صعيد المهنة. وانطلاقاً من اقتناعها بأنّ هذه التقارير باتت أشبه بعدّاد يسجل الأرقام والأسماء من دون التعمق والتحليل، آثرت الجمعية إقامة ندوة بالتعاون مع «الأونيسكو» في 8 أيار (مايو) تضم ثلاثة محاور: حماية الصحافيين وملاحقة المعتدين عليهم، وقانون هذه الحماية من المنظور العسكري بشرح كيفية تعامله مع الصحافي أثناء تغطيته للأزمات أو خارجها.
ويتناول المحور الثاني السلامة على الإنترنت من حيث منح التراخيص والإرشادات والتوعية ومعايير هذه السلامة. وسيعرض المحور الأخير لمشروع «مهارات» حول الإعلام الإلكتروني وتنظيمه من حيث التمويل والتحديث والمسؤولية والتمييز بين ما هو مهني إخباري وما هو حرّ كالمدونات ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
لا شك في أنّ الصحافيين اللبنانيين يعانون في مناطق النزاع التي قد تضيق إلى مساحة حيّ يمنعون من دخوله، ويجري إرهابهم بسبب انتمائهم إلى هذه المحطة أو تلك، وبالتالي تصادَر حريتهم في التحرك والتغطية. ويمكن أن تتوسع وصولاً إلى الحدود مع فلسطين المحتلة أو اليوم مع سوريا ليهددوا ويقتلوا. وليس المصور علي شعبان (الجديد) إلا نموذجاً لما يحصل. كذلك يجب ألّا ننسى مصادرة الحقوق والتهديد بلقمة العيش والصرف التعسفي في غياب القوانين التي تحمي هؤلاء والسبات الذي تغطّ فيه النقابات المعنية.