الجزائر | يصل الكوميديان جمال دبوز إلى بيروت تزامناً مع تراجع شعبيته في فرنسا، حيث فشل في الفصل بين عمله المسرحي والسينمائي من جهة، وانخراطه اليساري من جهة أخرى، معلناً نفسه ناطقاً «كوميدياً» باسم الحزب الاشتراكي الفرنسي، ليتحمّل جزءاً من الأزمة الداخلية التي يمرّ بها الرئيس الحالي فرنسوا هولاند.الكوميدي الأسمر مشلول اليد اليمنى (بسبب حادث قطار وقع عام 1990) الذي يفضل الضحك على بني جلدته من المهاجرين المغاربة، وبدرجة أقل من الأفارقة السود، يُحسب له الكثير من المواقف الإيجابية في التعبير عن حال العرب في عاصمة الأنوار، وعن الظروف المعيشية الصعبة في الضواحي الباريسية المختنقة. هو يستلهم قصص عروضه الكوميدية من وقائع حقيقية، ومن مشاهد عايشها بنفسه. فهو أيضاً ولد وتربى في الأوساط البسيطة والمتواضعة، قبل أن يجد طريقاً له في الأوساط المسرحية، ثم التلفزيونية والسينمائية بمساعدة الكاتب والإذاعي الفرنسي جان فرانسوا بيزو مؤسس إذاعةRadio Nova، الذي منحه فرصة الظهور للمرة الأولى عبر برنامج أسبوعي حمل عنوان «سينما جمال» (1995)، قبل أن ينتقل به تلفزيونياً إلى محطة Paris Première، ثم «Canal +»، هذه المحطة التي كانت ولا تزال تلعب دوراً هاماً في حياة الكوميدي بتبني مشاريعه الفنية ودعم مسرحه الباريسي الخاص المسمى Jamal Comedy Club، إضافة إلى محطة M6 التي صارت تربطه علاقة جيدة بمسؤوليها، بعد زواجه بالإعلامية الفرنسية المعروفة ميليسا توريو (1978) التي اشتهرت بتقديمها البرنامج الإخباري «66 دقيقة».
على خلاف الكثير من الكوميديين العرب المقيمين في فرنسا، لا يكتفي دبوز بما أتيح له من فضاءات تعبيرية، وينشط على أكثر من صعيد (جمعيات فنية وخيرية وغيرها)، وله الكثير من الروابط السياسية الجيدة مع شخصيات سياسية أوروبية بارزة، حيث يصفه منتقدوه «بالكوميدي المطاطي». على النقيض من خطابه المحافظ في المغرب، ومعارضته لـ«حركة 20 فبراير» الاحتجاجية، ودعواته المتكررة لاحترام شرعية الملك محمد السادس، وتجنبه الدائم للسخرية من المسؤولين الرسميين المغربيين، يتبنى نجم سلسلة H نبرة مغايرة ومواقف يسارية واضحة في فرنسا. في حزيران (يونيو) 2011، وقّع على عريضة ضمت أسماء عدد من الشخصيات الفنية تدعو إلى رفع العقوبات المفروضة على المثليين في بعض دول العالم، كما وقف الشهر الماضي علناً إلى جانب حملة «الزواج للجميع» لتشريع زواج مثليي الجنس في فرنسا. أيضاً، أثارت بعض تصريحاته الكثير من الجدل في فرنسا، منها مثلاً اعتبار قانون منع البرقع في الأماكن العامة في فرنسا بأنّه إسلاموفوبي. كما أثار حفيظة البعض حين صرّح عن وجود «الكثير من محمد مراح» الجزائري الفرنسي في فرنسا، ذلك الشاب الجزائري الذي قتل عام 2012 ثلاثةَ أطفال يهود ومعلّمَهم وجنوداً فرنسيين في مدينة تولوز. يومها، ألقى دبوز المسؤولية على السياسة الفرنسية الخاطئة والتهميش الذي يعانيه سكّان الضواحي الفرنسية.
كان يمكن أن يكون جمال دبوز مصدر فخر كل عربي، أو على الأقل، فخر كل مغاربي مقيم في فرنسا، وينوب عن لاعب كرة القدم الشهير زين الدين زيدان في استقطاب الشباب المهاجر، وخصوصاً بعد نجاحاته في الكثير من الأعمال السينمائية، من Asterix and Obelix, mission Cleopatre (2002) إلى «خارجون على القانون» (2010) مروراً بفيلم «بلديون» (حصل بفضله مناصفة على جائزة أفضل ممثل في «مهرجان كان السينمائي 2006»). لكنه، في لحظة من اللحظات، أدار ظهره لمحبيه، متناسياً أنّ جمهوره الأهم يتمثل في العرب المغتربين وليس الفرنسيين. في 2007، فاجأ الجميع بزيارة «إسرائيل» مع زوجته، والوقوف ﺃمام حائط المبكى، واضعاً «الكيبا»، ثم تدارك الأمر متأخراً فصرّح بأنّ الزيارة «كانت عادية. ولا تحمل أي صبغة سياسية». تبرير جاف لم يجد له صدى، يضاف إليه عتاب من متتبعيه في المغرب على مبالغته في مساندة العاهل المغربي محمد السادس ومحيطه السياسي (المتهم في عدد من قضايا الفساد المالي)، علماً بأنّه قبل ثلاث سنوات، منحه الملك حظوة تنظيم «مهرجان مراكش الدولي للضحك»( مهرجان استحدث مباشرة بعد تفجيرات مراكش عام 2011 لرد الاعتبار للصورة السياحية للمدينة)، ومواقفه غير الصريحة من قضية الصحراء الغربية التي كانت سبباً في منعه من زيارة الجزائر ثلاث سنوات كاملة (2006 ــ 2009). أوراق لم تلعب كثيراً لصالحه، ليجد نفسه اليوم مشتتاً، عاجزاً عن كسب صدقية وثقة ثابتة لدى الجمهور، فسهمه يرتفع وينخفض في موازاة التحولات السياسية في فرنسا والمغرب. الثابت الوحيد في تجربة جمال دبوز أنّ «الرجل الصغير» يجد دوماً موطئ قدم له على ضفة أصحاب القرار.



عن والدته

في أحد حواراته ضمن النشرة الإخبارية لقناة «فرانس 2»، صرّح جمال دبوز عن والدته «كنت أراها تعيش في العوز في الضاحية مع أولادها كلّهم، وكل هذه الفواتير التي ينبغي تسديدها. باختصار، كان الوضع معقّداً. كنت أرغب بشدة في أن أنجح من أجلها».