لا يوجد حد ردّة ولا عذاب قبر، وليس صحيحاً ما يتردّد عن أنّ الإسلام ينصف المرأة: هذه بعض الأفكار التي يدافع عنها الشيخ حاتم الشناوي، «الداعية التلفزيوني» بطل رواية إبراهيم عيسى «مولانا». لا يكتفي بهذا القدر، بل يقدّم وجهة نظر مادية عن تطوّر الفكر والمذاهب الإسلامية «التي نشأت تحت قصف السياسة» ويدحض أفكار من ينذرون بخطر «التشيّع» ويسخر من شيوخ يريدون معاملة الأقباط على أنهم «أهل ذمة». هذه المسائل الدينية والفكرية يضعها الكاتب المصري (1965) في قلب حبكة درامية مثيرة مبنية على علاقة السلطة السياسية بالأجهزة الأمنية والدينية. لكن رغم هذه الحبكة المحكمة والمثيرة، والأسلوب المبني على تناصّ غني مع النص القرآني والأحاديث النبوية، إلا أنّ الإطالة في عرض وجهة نظر شيخ الفضائيات المستنير تُفقد السرد متعته في أحيان كثيرة.

ينغمس القارئ في تطورات سردية متلاحقة إلا أنه سرعان ما يجد نفسه مجبراً على تجاوز صفحات طويلة من الوعظ. وإذا ترك نفسه يدخل كواليس الفضائيات والبرامج الدينية، مستمتعاً بولوجه عالماً روائياً جديداً موصوفا ببراعة (بدءاً من جلسة المكياج قبل الحلقة إلى العلاقة المهينة بالمنتجين، مروراً بطريقة اختيار الجمهور) يحاول الكاتب أن يجبره مرة أخرى على الخروج من إيقاع السرد لتحمّل صفحات طويلة من الوعظ -ذلك الوعظ المبسّط المشذّب الذي يفضله بطله على الهواء لأنه "ما ييزعلش" لا المنتجين ولاالجمهور ولا الأجهزة الأمنية.
هذا الحبل الرفيع الذي يرقص عليه الشيخ الشناوي ببراعة قبل أن تغضب عليه السلطات قد يكون أمتع وأصدق ما في الرواية. يقر الشيخ بفشله في العثور على السكينة الروحية، رغم نجاحه الإعلامي والاجتماعي، إذ أنّ ذكاءه يمنعه من أن يتغاضى عن حقيقة الدور المنوط به من قبل السلطات وعن معنى التنازلات التي يقدّمها كي يضمن أجرا يصل إلى عدة ملايين من الجنيهات سنوياً. ولا يمكن للقارئ أن يمحو من ذهنه صورة إبراهيم عيسى مقدّم برنامج «إبراهيم والناس»، وهي تترائ له من بين السطور، ولا أن يتجاهل عناصر الشبه بينه وبين بطله الشيخ «الشيك»، ليس فقط تلك المتعلّقة بـ «عقله النقدي وولعه باللغة والعلم وحبه للشهرة وتعاليه عليها في آن واحد»، كما يقول صاحب «مقتل الرجل الكبير» في حديث صحافي، بل أيضاً تلك القدرة على التبسيط و«الفهلوة» والتوازنات النفسية المعقّدة التي تفرض نفسها على من يقف على الهواء أمام ملايين المشاهدين، مجبراً «على الالتزام بطوع الضوء الأحمر» حتى يصل به الأمر «محدقاً في سقف غرفة نومه، منتظراً بروق الضوء الأحمر كي يلبس نفسه المستعرضة، فكأنما تاهت أو ماهت هذه النفس الحقيقية وصار يستغربها أو يتوه عن ملامحها فيلجأ إلى الروح التي تدرب عليها ويطمئن إليها».
لكن بقدر ما يبرع مولانا في الفهلوة، بقدر ما يعجز عن إحداث أدنى تقدّم في المجتمع، فحسن/ بطرس، الشاب الذي حاوره طويلاً ووضع ثقته فيه تحوّل إلى إرهابي يناقض كل أفكار التسامح التي حاول بثها فيه. كذلك على المستوى الشخصي، فشل في علاج تعاسة حياته الزوجية وجرحه النازف بسبب مرض ابنه الغامض، بل يزداد وضعه سوءاً حين يكتشف خيانة زوجته له. تتيه عندئذ الثوابت ليتحوّل كل شيء إلى أسئلة عبثية لا إجابة لها، وليتحوّل الشيخ إلى فأر محبوس في فخ ثالوث السلطة والمال والدين، وتنتهي به الرواية شخصاً مغدوراً ضعيفاً عاجزاً، فلا مجال لشخصيات مثله في ظل الحرب الشعواء التي تشنها الدوائر السلفية مدعومة بمموليها السعوديين على أي فكر مخالف تنعته بالـ «معتزلي».

«دار بلومزبري-مؤسسة قطر للنشر»