عمان | في تمام الثانية عشرة من ظهر أمس الأحد، بدأ الصحافي عدنان بريّة إضرابه المفتوح عن الطعام داخل مبنى نقابة الصحافيين الأردنيين في عمان، احتجاجاً على فصله من صحيفة «العرب اليوم»، وهدم خيمة الاعتصام التي أقامتها النقابة تضامناً مع المفصولين من الصحيفة. ويأتي ذلك بعد ستين يوماً من الاعتصام أمام صحيفته، وتنفيذ ثلاث وقفات احتجاجية لم تثنِ ناشر الصحيفة إلياس جريسات عن العدول عن قرار فصله التعسفي. في مدينة تقتات بالشائعات والنميمة الصحافية، ينظر متابعون إلى المشهد الاردني العام بوصفه رسماً كاريكاتورياً، إذ تتناقل مواقع إلكترونية تقارير إخبارية تستنكر عدم إلقاء القبض على رجل الاعمال ومالك «العرب اليوم» إلياس جريسات، لأنّ الأخير مطلوب على ذمّة قضيّة شيكات بلا رصيد بقيمة مليون و400 ألف دينار (مليون و900 ألف دولار أميركي) لأحد النواب، ما يطرح علامات استفهام حول الأسباب الخفيّة التي دفعت رجل أعمال إلى شراء الصحيفة اليومية الخاسرة منتصف عام 2012، ويثير جملة شكوك حول طبيعة تمويل وسائل إعلام مختلفة.
وعلى الرغم من احتفاظها بالمرتبة الأخيرة ضمن أرقام توزيع الصحف، إلا أن «العرب اليوم» تعدّ حالة استثنائية بين اليوميات الأردنية. فقد انخرط كبار محرّريها وكتّابها في صراع مراكز القوى (المخابرات والديوان الملكي بين الأعوام 2006 و2008)، وحظيت الصحيفة بكم هائل من التسريبات حول عمليات بيع مؤسسات القطاع العام وملفات خصخصتها، التي شابتها تُهَم الفساد. وانتهت هذه الحقبة بتحجيم أطراف الحكم النافذة في الأردن لصالح مؤسسة القصر. حينها شهدت الصحافة الأردنية، وفي مقدمتها «العرب اليوم» تراجعاً ملحوظاً لسقف الحريات، وانحساراً متواصلاً لتدفق المعلومات التي تكشف تجاوزات كبرى داخل الدولة. الضربة التي لحقت بالحريات تزامنت مع ضائقة مالية عصفت بالصحف مجتمعة. وراجت الشائعات مجدداً عن قرب بيع «العرب اليوم» إلى رجل أعمال تركي يحمل الجنسية الأردنية، ومعروف بعلاقاته الوثيقة مع الملك رغم صدور أحكام قضائية في بلاده تدينه بقضايا تبييض الأموال. أُفشلت الصفقة في اللحظات الأخيرة، لتنقل ملكيتها لاحقاً إلى رجل أعمال أردني. وبسبب تخبّط إدارتها، تعاقب عليها أربعة رؤساء تحرير، ما ضاعف مديونيتها في أقل من عامين. التأخر في دفع الرواتب الشهرية للموظفين، والتشكّيك الدائم في مهنية الصحيفة وموضوعيتها، دفعا مجموعة من صحافييها إلى الاحتجاج.
ولم تكد تمضي أيام على إصدارهم بياناً يعبّرون فيه عن مخاوفهم المتزايدة على مستقبل الصحيفة، حتى قامت إدارتها بفصل عدنان برية، ومعاقبة كل الزملاء الذين تضامنوا معه. تلك الخطوات استدعت تضامن نقابة الصحافيين، التي دعت إلى خيمة للاعتصام المفتوح حتى عودة الزميل المفصول، لكن المبادرات التي تبنتها النقابة ثم رئيس البرلمان بغرض إعادة الصحافي إلى عمله باءت كلها بالفشل، كما جرى الاعتداء على مكان الاعتصام أكثر من مرة، كان آخرها إزالة الخيمة ليل الجمعة الفائت. وبناءً عليه، أقدمت النقابة على رفع دعوى قضائية ضد المعتدين. وفي وقت سابق، كشفت مواقع إخبارية عن جملة دعاوى أقامها الدائنون على مالك الصحيفة إلياس جريسات، إلى جانب نشر وثائق تثبت عجزه عن تسديد التزاماته المالية لضريبة الدخل والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وغيرها. عجز يفسّر غياب المالك شهراً كاملاً عن الصحيفة، ويفتح الباب أمام احتمالات عديدة. ربما تبادر جهات عليا إلى ترتيب صفقة بيع جديدة للوسيلة الاعلامية، أو تكفّ هذه الجهات يدها عنها، وهو ما ينذر بإغلاق «العرب اليوم» لتكون الضحية الأولى لأزمة الإعلام، الذي لا يمكن إغفال الدور الرسمي في تخريبه وإفساده ودفعه نحو الهاوية. التوصيف السابق للأزمة ألقى بظلاله على بيان نقابة الصحافيين الذي صدر عشية إضراب بريّة، وجاء فيه «هذه الخطوة تأتي استجابة لآلام الصحافيين وآمالهم الحرة، التي باتت أمام تحدٍّ خطير في ظل القوانين المقيدة لإرادة الصحافيين وتلك التي تقوّض فرص ظهور إعلام حرّ وصحافة نزيهة»، مضيفاً إن «الصحافي الأردني بات ضحية القوانين الناظمة للعمل الإعلامي. ومن يفلت منها، يكن ضحية عجز قانونَي العمل ونقابة الصحافيين». فصل صحافي واحد سارع إلى فضح هشاشة المشهد الإعلامي الأردني، لكنّ لا أحد يتوقع تنفيذ المطالب التي يرفعها أول المضربين، فقبل أقل من عام، أخفق الاعتصام المفتوح للمواقع الإلكترونية، ولم يستطع المعتصمون الضغط على الحكومة للتراجع عن قانون «المطبوعات والنشر المعدل»، الذي فرض مزيداً من القيود على حرية النشر.