يدور جديد ديريك شيانفرانس «المكان خلف الصنوبر» حول قضايا سبق أن طرقتها السينما الأميركية على مدى تاريخها العتيد. يدعونا صاحب «فالنتاين الأزرق» (2010) الى متابعة مصائر أبطاله عبر توليفة درامية تستحضر معاني الرجولة الأميركية، والأبوة، والمسؤولية الشخصية، والأقدار، والطموح والفساد الضارب في بعض أجهزة الشرطة.
يتخذ شريط شيانفرانس من مدينة «شينكتادي» القريبة من نيويورك مسرحاً لأحداثه الدرامية. استعار المخرج الأميركي عنوان شريطه من اشتقاق لمعنى اسم تلك المدينة حسب لغة قبائل الـ«موهوك». إذ استقر الهنود الحمر في هذه المنطقة بداية القرن السابع عشر قبل أن يستوطنها المهاجرون الهولنديّون. في الشطر الأول من هذه الثلاثية، نتابع شخصية الشاب لوك (الممثل الكندي راين غوسلينغ)، البارع في قيادة دراجته النارية والعامل ضمن سيرك متنقل والمدخن النهم وصاحب العضلات المفتولة والمعتد برجولته والموشى بـ«التاتو». إلا أنّ ظهور نادلة المطعم وصديقته القديمة رومينا (عارضة الأزياء والممثلة إيفا مينديس ذات الأصول الكوبية)، يقلب حياته على عقب. يكتشف أنّ له طفلاً منها، رغم أنّها تتقاسم العيش مع صديقها الجديد كوفي (Mahershalalhashbaz Ali)، ما يضعه إزاء مواجهة مسؤولية الأبوة.
على خلفية هذه الصدمة، ينتقل الفيلم الى خيارات لوك وبدائله المطروحة، هو الدائر في فلك النزق والعزلة والتمرد والنشاز والفقر. بين حس الأبوة وضيق الحال والحلول، يلتقي بروبن (بن ميندلسون)، صاحب كراج في أطراف المدينة، فيقترح عليه العمل والسكن معه من أجل كسر عزلته هو الآخر. مهارات لوك وخفته في قيادة دراجته النارية يحولها روبن الى رصيد ثمين عبر توظيفها في التخطيط لسرقة بنك المدينة. حلّ عملي مغر يتلقفه لوك بغية تأمين مستقبل طفله الرضيع. لكن نهايته ستكون مأساوية عندما يُقتل على يد ضابط الشرطة الطموح آفري كروس (برادلي كوبر) أثناء مواجهة معه بعد تنفيذه عملية السطو الرابعة.
على اثرها، نتابع في الشطر الثاني محنة الضابط آفري الأخلاقية التي وضعته في تصادم مع مساراته الحياتية والوظيفية: عقدة ذنب لم يشف منها، ما يؤدي إلى انفراط علاقته بزوجته جنيفر (روز بايرن)، واعتباره بطلاً من قبل جهاز الشرطة على خلفية ما قام به وكيفية التعامل مع استحقاقات شجاعته ثم اكتشافه شبكة فساد في جهاز الشرطة يقف الضابط ديلوتشا (راي ليوتا) على رأسها فيوقع بها، واهتمامه بمستقبل ابنه المدلل أي. جي (الممثل الشاب آموري كوهين) الفاشل في دروسه مقابل طموح آفري الشخصي باعتلاء سلّم وظيفي عال أسوة بوالده الحاكم السابق آل كروس (هاريس يولين). وبالفعل، نشاهده في نهاية الشريط يقوم بحملة انتخابية للترشّح لمنصب المدعي العام لولاية نيويورك.
في الشطر الثالث من الشريط، يكون قد مرّ 15 عاماً. ينتقل الفيلم الى ما ورثه الأبناء من خطايا الآباء. ولعل فصول هذا الجزء تحمل الكثير من التطويل الثقيل، فجاءت كأنها إعادة لافتراق مصائر الآباء. نرى ابني آفري كروس ولوك وقد صارا شابين غير موفقين في الدراسة، مدمنَي مخدرات ومن طبقات اجتماعية متباعدة. ومع ذلك، فإن صداقة الشاب أي. جي بقرينه جيسون (داني دي هان) والزمالة الدراسية سرعان ما تتعرض لشرخ كبير حين يكتشف جيسون أنّ والد أي. جي كان وراء مقتل والده الذي لم يره في حياته وظلت أخباره طي الكتمان. يقرر في لحظة غضب الانتقام من أي. جي ومن والده الضابط آفري. لكنه يحجم عن فعلته تجاه الأخير مقابل حصوله على محفظته حيث يجد فيها سر قصة والده من خلال صورة قديمة تجمعه صغيراً بأمّه ووالده.
خلال الساعة الأولى من The Place Beyond the Pines، أضفى الممثل راين غوسلينغ ثقلاً واضحاً على الشاشة، فيما أبدعت كاميرا المصور السينمائي شون بوبيت في اقتفاء سيرورة أجزاء الشريط الثلاثة وإيقاعه، خصوصاً الشطر الأول. مع ذلك، يؤخذ على العمل طوله النسبي (140 دقيقة)، وتكراره لمشاهد لم تضف الكثير الى فصول الفيلم. لكنه في الوقت ذاته، يبقى الشريط الأجدر بالمشاهدة بعيداً عن مشاهد العنف والدم وإطلاق النار التي تزخر بها السينما الأميركية المقاربة لحبكته.





The Place Beyond the Pines: «سينما سيتي» (01/899993)، صالات «أمبير»، (1269) «غراند سينما» (01/209109)، «بلانيت أبراج» (01/292192)