بعدما قُدّم منذ أشهر في فضاء «أشكال ألوان»، يعيد منذر بعلبكي تقديم عرضه «رفة عين خاطفة» في فضاء «مسرح المدينة» القديم في كليمنصو. في الفضاء ذاته الذي شهد أول تجربة له كممثل في مسرحية سهام ناصر «عن الضفة الأخرى من الجريمة والعقاب»، يعود اليوم في عرض خاص يسرد فيه نصاً يختلط فيه الواقع والحلم.
لنضع جانباً الأداء الممتاز لمنذر بعلبكي الممثل، ودعونا نتوقف عند الطرح الفني للعرض، إذْ يعيد خلط أوراق مساءلة اللعبة المسرحية شكلاً ومضموناً. في بيروت، ما زلنا نشهد عروضاً مسرحية تتبع الشكل الكلاسيكي، من حيث التركيبة الدراماتورجية وأسلوب العرض. في المقابل، شهدنا تجارب عديدة حاولت إعادة التفكير في الطرح الفني، إن كان من حيث كسر النمط الكلاسيكي لموقع الممثل والجمهور ضمن الفضاء المسرحي، أو عبر تعديل جذري لمفهوم المسرح. في هذا السياق، احتضن «مسرح بيروت» تجارب عدة، مثل استعمال مدخله كجزء من مساحة العرض، أو الأروقة الممتدة فوق الجمهور، مثلما فعل المخرج روجيه عساف في «لوسي، المرأة العمودية». كذلك نذكر عرض هشام جابر الأول «كولا بربير متحف دورة» في «مسرح المدينة» القديم، حيث يقدم «رفة عين خاطفة» اليوم، وحيث كان الممثلون يحتلون مقاعد الجمهور، فيما الجمهور جالس على الخشبة. ونذكر عرض «خيط حرير» لفرقة «زقاق» الذي قدم في «زيكو هاوس»، وكان الجمهور يلحق بالممثلين من غرفة إلى أخرى، طوال العرض.
أما في المساءلة الجذرية لمفهوم العرض، فقد قدم هشام جابر «غير مخصص للجمهور» في «مسرح المدينة» وشهد تفاعل الجمهور مع الممثلين، على غرار برامج تلفزيون الواقع، فيما تبقى تجربة ربيع مروة ولينا صانع الأبرز في مساءلة اللعبة المسرحية ككل، عبر عروض «محاضرة / أداء». أعلن الثنائي موت المسرح التقليدي، وطوّرا أسلوباً خاصاً يعتمد على المحاضرة لتقديم عروض أدائية. ما يقدمه المخرج والممثل منذر بعلبكي يقع ضمن هذا الحقل التجريبي. يفصل الممثل عن خشبة المسرح، ويرفعه إلى وسط الفضاء المسرحي. ورغم محافظته على المواجهة بين الممثل والجمهور التي تحترم الحائط الرابع بينهما، إلا أنه يجعل هذا الحائط شفافاً ومتحركاً، إذ يعيد كل فرد من الجمهور تحديده عبر اختيار موقعه من الممثل. ولكن الأهم أن بعلبكي يقدم عرضاً معلقاً مثل ممثله بين «محاضرة / أداء» والكلاسيكية. الشخصية المقدمة في العرض تتأرجح بين شخصية منذر بعلبكي كما في المحاضرة، والممثل المؤدي لشخصية أخرى كما في العروض الكلاسيكية، فيما لا يخلو النص من تفاصيل واقعية تتجاور مع عناصر خيالية يلجأ إليها عبر سرد الأحلام. كأن بعلبكي يطوّع أسلوب المحاضرة، ويسخّرها في توكيد المسرح من جديد بدلاً من قتله، بينما الجمهور مدعوٌّ لمشاهدة عرض جريء ومميز يُنعش النقاش المسرحي في لبنان.



«رفة عين خاطفة»: 8:30 مساء اليوم ــ «مسرح المدينة»، (كليمنصو ــ بيروت) ــ للاستعلام: 03/628266