تحت جناح جمعية «نساء رائدات»، اجتمعت 12 امرأة أول من أمس في حلقة «بموضوعية» على mtv: اصطففن جنباً إلى جنب في مشهد جديد يطبع الشاشة الصغيرة ويعيد للوهلة الأولى شيئاً من الأمل والتغيير في الحياة السياسية اللبنانية. تسعى هذه الجمعية الحديثة العهد الى ضمّ نساء متخصصات في مجالات شتى في صفوفها، بغية تبوئهن مراكز قيادية، أكان في السياسة أم الشأن العام كما أوردت مؤسستها جويل أبو فرحات رزق الله في سياق الحلقة. قد يكون هذا المشهد نجح في الشكل من خلال استضافة هذا الكمّ من النساء في برنامج حواري سياسي، وهو أمر تباهى به مقدم البرنامج وليد عبود في مستهلّ الحلقة، إلّا أنّ الكثير من الإحباط والصدمات غير الإيجابية (طبعاً) رافقت الحوار، الذي امتد ساعتين ونصف ساعة، تخلله الكثير من الترويج لبعض الأحزاب اللبنانية وتبييض صورتها. كذلك، لم يخلُ اللقاء من بعض المواقف النسوية السطحية والمراهقة في الكثير من الأحيان، إضافة الى الخفة في النقاش الذي فشل في التصويب على جوهر مشاركة المرأة في الحياة السياسية وأهدافها ومختلف البرامج الانتخابية المأمول المضي فيها.
ولا ننسى بطبيعة الحال الخلل الذي أصاب الحلقة جراء غياب الأطراف التي تقف على الضفة المقابلة لخلق المزيد من التفاعل والخروج بنتائج ملموسة.
المشروع النسوي المدعوم أميركياً، الذي يشمل الى جانب الترشح للانتخابات البرلمانية، تدريب أربعين مشتركاً ومشتركة على اكتساب المهارات وإدارة الحملات الانتخابية وصولاً الى إقامة المناظرات بين الأطراف المتقابلة انتخابياً، يبدو منسلخاً تماماً عن الواقع اللبناني. عَزّزت هذا الأمر انطباعات المشاركات من خلال زيارتهن البرلمان الأوروبي في بروكسل لمدة 3 أيام، ليأتين مندهشات مما رأينه هناك! هذا ما يظهره التقرير الذي بث في بداية الحلقة عن تغطية الإعلام الأوروبي لهذه الزيارة، وإرداف الشريط أنّ «ترشح المرأة للانتخابات لم يعدّ حلماً» مقروناً بحالة التغيير التي تعصف بمنطقتنا. قد تكون نظرة الأوروبي الى الضيفات غير مستغربة ونابعة من السياسة المتبعة هناك، الا أنّ الأمر الأكثر غرابة هو اتكاء المرشحات اللبنانيات على هذه الزيارة للقول إنّها أعطتهن زخماً كبيراً و«تعلمن في ثلاثة أيام كيف تكون الحرية والتواضع»! قد يبدو هذا الانطباع مراهقاً كمن يبهر لرؤية الغرائب والعجائب، ويعكس بالطبع هشاشة ذهنياتهن رغم انخراطهن في مجالات متقدمة وفاعلة.
ساعتان أمضاها عبود في نقاش عقيم حول المضي في إشراك المرأة سياسياً. بدا كمن يدور في حلقة مفرغة، وفي موضوع عالق في عنق الزجاجة منذ أعوام. النقاشات الهادئة اخترقتها ضحكات المقدم لإحساسه بأنّه عاجز ربما عن السيطرة على إدارة النقاش مع 13 امرأة توزعن بين مرشّحة للانتخابات وأخرى ممتنعة (بقليل من الدلال)، الا أنّ كارول بابكيان رئيسة جمعية «أشرفية 2020» انتقدت هذا الجمود في الحلقة، حين اعترضت على عدم التطرق الى البرامج الانتخابية: «حرام نضيّع 3 ساعات على ذات الموضوع». فما كان من عبود الا أن طرح السؤال عن برامج المرشّحات الانتخابية التي بدت مضحكة مبكية في بعض الأحيان. مثلاً، قالت إحداهن إنّ مجرد الوصول الى البرلمان يعدّ انجازاً، بينما انطلقت المرشحات الباقيات من خلفياتهن الثقافية والعملية لرسم هذه البرامج. وضاعت «الطاسة» مجدداً عندما طُرح سؤال آخر عن شكل الحكومة المرتقبة، فتراجع النقاش الجوهري مقابل التلهّي بمواضيع «اجترتها» الشاشات طويلاً.
الأمر لم يقف هنا. لقد مثلت الحلقة منبراً ترويجياً لأحزاب «الكتائب» و«القوات» وبعض الشخصيات القريبة منهما من خلال تبني النائبة ستريدا جعجع «النضال» من أجل تحصيل الكوتا النسائية البرلمانية، ما أشعل تصفيقاً حاراً في الاستديو مع غياب السؤال عن انجازات جعجع في الدورتين الحالية والسابقة البرلمانية، والضغط في سبيل تحقيق هذا الموضوع. اتصالان آخران تلقاهما عبود من دورين صليبا (الكتائب) والنائب شانت جنجيان (القوات) عدا وجود مستشارة النائب سامي الجميل للشؤون البرلمانية لارا سعادة ضمن الحاضرات في الاستديو. كل ذلك منح هذه القوى الدفع المطلوب لتبييض صفحتها في القضايا النسائية. ولتحلو الجلسة، كان لا بد من إثارة موضوع سلاح «حزب الله» لإحداث المزيد من التفاعل وربما التنافر. وفعلاً، نجح عبود في هذا الأمر من خلال احداث فوضى عارمة في الاستديو في الدقائق الأخيرة من حلقته، مغفلاً مواضيع أخرى كانت ستفيد سياق الحلقة. بدأت المناوشات بين مؤيدة ومعارضة، وظلّت المحامية والقيادية في حركة «أمل» مريم شامي وحدها في الميدان تدافع عن المقاومة، بينما ذهبت الأخريات الى ترداد ما يقوله الوسط الإعلامي والسياسي حول السلاح والتسلح. هكذا، عزّزت هذه الحلقة فشلاً آخر لهذا الحراك النسوي، وشارك في هذا الفشل المعدّ والضيفات وتحوير مسار الحلقة. ربما باتت الحاجة ماسة الى تغيير التعاطي الإعلامي مع هذه المسألة وطبعاً الى إبراز نساء أخريات يقبعن ربما في الظل... فلنفتش عنهن!