الانحطاط اللبناني «يحاكم» عصام محفوظ

  • 0
  • ض
  • ض

في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أسدل مسرح «غلبنكيان» في «الجامعة اللبنانية الأميركية» الستار على مسرحية «لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71؟» (الأخبار 19/11/2015) للشاعر والكاتب المسرحي اللبناني عصام محفوظ (1939-2006) التي أعادت إخراجها لينا خوري بعد مرور 44 عاماً على تقديمها، كتحية لرائد المسرح اللبناني الحديث بعد مرور 10 سنوات على وفاته. لم يكن إختيار هذا العمل عبثياً، بل جاء ليخاطب الراهن اليوم، مع إستمرار الستاتيكو السياسي والإجتماعي منذ كتابته الى اليوم. المسرحية سياسية عبثية بامتياز، تقدم ثلاث شخصيات نضالية كان لها الأثر في الحياة السياسية: المناضل الفلسطيني سرحان سرحان الذي اغتال السيناتور الأميركي روبرت كينيدي عام 1968 احتجاجاً على دعمه لإسرائيل، القائد الشيوعي فرج الله الحلو الذي قضى تحت التعذيب في سوريا نتيجة رفضه لتقسيم فلسطين. وأخيراً، الزعيم أنطون سعادة مؤسس «الحزب القومي السوري القومي الإجتماعي» والمدافع عن فلسطين، الذي أعدم في لبنان عام 1949. ثلاث شخصيات سياسية وطنية، وضعتها خوري ضمن سينوغرافيا وقالب جديدين، يختزل نضالاتها التي ظلت فردية ولم ترق الى العمل الجماعي الثوري. عبر هذا العمل، تطل خوري على الحاضر والراهن، وتلامس ما حصل في الثورات العربية، وما حدث أخيراً في لبنان من حركة شبابية إحتجاجية ضمن سردية حاسمة بالعجز التام عن الإنقلاب على الواقع والستاتيكو السائد كما رآها محفوظ في كتابته لهذه المسرحية في فترة الستينيات (عرضت عام 1971). تقدم خوري ذلك في قالب يجمع بين الواقع والفانتازيا، والكوميديا والتراجيديا. في "ستيريو 71"، تصوَّر المجدّد المسرحي العالم العربي على شكل ملهى ليلي، سرعان ما يتحوّل الى محاكمة لهؤلاء المناضلين... هذا المكان الذي يهرب فيه الساهرون من واقعهم المأزوم الى عالم اللذة والمتعة، ساخرين من واقعهم وقيمه. هذا البعد التاريخي النضالي الذي أرادت المخرجة اللبنانية إحياءه وتعريف طلابها في الجامعة إلى أشهر مؤلف ومجدّد مسرحي، قزّم في موقع «ليبانون ديبايت» الى حدّه الأقصى! تعاطى معه الموقع الإلكتروني بقلة مهنية ودراية وإحاطة: «بالفيديو.. مسرحية لبنانية تهين المسيحية وبطلها ممثل معروف» هكذا عنون الموقع أول من أمس مقاله الذي وصفه كثيرون بـ «الأصفر»، مشيراً إلى أنّ العمل يندرج ضمن «الإساءة» الى الدين المسيحي، بإقتطاعه مشهد القداس الديني من المسرحية واعتباره «مهزلة». اللافت في المقال (إن صح تصنيفه بذلك) لوم الممثل طلال الجردي الذي يؤدّي دور الكاهن بأنه «لا ينتمي الى الديانة المسيحية»! ومع ذلك أورد المقال أنّ الجردي لم يتوان عن المشاركة «بسخرية من الطائفة المسيحية»! وبأسرع من البرق، تحرّك «المركز الكاثوليكي للإعلام»، وأصدر بياناً أمس استنكر فيه هذه «المشهدية»، وأخبر القرّاء بأنّ رئيسه الأب عبدو أبو كسم قد تواصل مع المديرية العامة للأمن العام اللبناني واتفق معها على «عدم عرض المسرحية في أي مكان مجدداً قبل الإطلاع عليها».

أسفت لينا خوري لتدني نسبة الوعي، مؤكدة أن المسرحية ستعرض قريباً
أبو كسم أطلق حكمه على العمل من خلال هذه الجزئية من دون حتى مشاهدة العمل، بل اكتفى بما ورد في «ليبانون ديبايت». وقال أبو كسم لـ«الأخبار» إنّ الإعتراض ليس «على مضمون المسرحية»، بل على مشهدية القداس التي «اثارت حفيظة واستنكار كل المسيحيين». الأب رأى أنّ هذه المشهدية بما احتوته من «كلمات وتراتيل» عرضت بشكل هزلي مسّت «بأقدس المقدسات». وبرغم عدم مشاهدته للمسرحية بشكل كامل، واتكائه فقط على الشريط المعروض منها، وبرغم فكرة أنّها تقدم «رسالة سامية» من خلال الحديث عن الذاكرة النضالية لبعض الشخصيات، أبعد ابو كسم عنها كل غاية فنية، قائلاً «حتى لو كانت ساخرة مش على حساب المقدسات». رئيس «المركز الكاثوليكي للإعلام»، وضع ما يحصل اليوم، ضمن مخطط وشبكة تقف وراءها «منظمات صهيونية» بغية «إثارة النعرات الطائفية». واشترط أبو كسم من جهة أخرى مشاهدة المسرحية مع جهاز الأمن العام ليتقرر بعدها ما إذا كان سيسمح لها بالعرض أم لا في أحد مسارح بيروت في شهر آذار (مارس) المقبل. وفي إتصال مع «الأخبار»، أكّد رئيس مكتب شؤون الإعلام في «الأمن العام» العميد نبيل حنون أن المديرية وافقت على المسرحية بناء على نصها، ولم يظهر شيء يتعارض مع «المسلّمات المسيحية». ولدى سؤالنا عن إمكانية منع العمل في حال عرضه مستقبلاً، ترك العميد الإجابة مفتوحة عبر قوله «لكل حادث حديث». هذا الإجتزاء والفبركة والتشويه لعمل تاريخي نضالي عرض في السبعينيات من توقيع أهم مسرحي لبناني، ترفضه لينا خوري رفضاً باتاً، وتضعه ضمن خانة "سوق الإتهامات والجلد"، التي باتت تشبه "داعش". اللوم الكبير للمخرجة اللبنانية كان على تدني نسبة الوعي عند اللبنانيين الذين صدقوا هذه الشائعة المعتمدة في الأصل على جزئية صغيرة ضمن سياق مسرحي وسردي واسع، يحكي قضية فلسطين. وفي إتصال مع "الأخبار"، أكدّت خوري أن المسرحية سيعاد عرضها في "مسرح المدينة" في آذار (مارس) المقبل. ولدى سؤالنا عن شرط "المركز الكاثوليكي للإعلام" لإذن العرض، لفتت الى أن "الأمن العام" وافق سابقاً على العمل، وأسفت لتدخل السلطات الرقابية في الأصل، وتضاف اليها اليوم السلطة الدينية، لكنها تختم: "هيدي حالة البلد للأسف".

  • من العرض

    من العرض

0 تعليق

التعليقات