«وجدها» رياض قبيسي، وأعلنها بوضوح في تقريره الذي بثّته «الجديد» ليل أول من أمس: المعايير الأخلاقية والمهنية تترنّح في «الأخبار» و«السفير». يخبرنا بذلك وهو يعرض عدد «الأخبار» الذي حمل غلافه عنوان «المحكمة تترنّح» ونشرت فيه وثيقة مسرّبة من المحكمة الدولية بأسماء عدد من شهودها وصورهم. تمرّ لاحقاً في التقرير صورة خاطفة للخبر نفسه منشوراً في «السفير»، لكن في طبعته الإلكترونية.
لا يسع أي صحافي يحترم مهنته إلا أن يقول: برافو. هكذا يكون العمل. هناك صحف قرّرت نشر صور شهود، ما قد يعرّضهم للأذى، وهناك قناة تلفزيونية قرّرت لفت نظر زملائها إلى أنّ هذا العمل لا يلتزم المعايير الأخلاقية للمهنة، وأنه قد يشكل باباً لدعاوى قضائية ترفع على المؤسسة التي تنشرها أو تبثّها.
بكل صدق، هذا طموح كلّ صحافي حريص على مهنته: التزام أخلاقيات المهنة، لأنه الشرط الأساسي لاستمرارها في ظلّ التحديات الكثيرة التي تعيشها. لكن للأسف، وكعادته، لا يسمح قبيسي لأحد بأن يقول له «برافو» من دون أن يجعله يندم سريعاً على التلفظ بهذه الكلمة. مَن تابع التقرير، سيكتشف أن سبب ترنّح المعايير الأخلاقية في الصحف، و«الأخبار» تحديداً بما أنّها احتلت المساحة الأكبر من التقرير، ليس نشر أسماء الشهود وصورهم فحسب. هذا الخرق الفادح للمعايير المهنية الذي سبقت «الجديد» إليه أيضاً، يمرّ عليه قبيسي مرور الكرام. أقلّ من عشر ثوان في تقرير من ثلاث دقائق. لماذا؟ لأنه اكتشف ما هو أخطر برأيه. فالمعايير الأخلاقية ترنّحت أكثر بسبب عدم تدقيق الجريدة في صحة المعلومات الواردة... أين؟ في وثيقة مسرّبة. فقد كشف بول أبو جودة، أحد الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الوثيقة، أنّ المعلومات الواردة فيها غير صحيحة، مؤكداً في مقابلة أجراها معه قبيسي أن لا علاقة له بالمحكمة وأنه لم يتواصل معها وليس شاهداً سرياً فيها. وسأل أبو جودة عن أسباب نشر اسمه في «الصحيفة» (ثم يسمّي «الأخبار» و«السفير») وعدم الاتصال به للتأكد قبل ذلك.
بول أبو جودة يعمل حداداً (وليس دهاناً كما يحرص قبيسي على القول لتأكيد عدم دقة الصحف في نشر المعلومات). لكن بول، الحدّاد، طرح هذا السؤال في حضرة شخص يعمل في مهنة الإعلام منذ ما يقارب عشر سنوات، ما يجعل الأخير قادراً بنفسه على الإجابة عنه. لا يحتاج الأمر إلى دكتوراه في الصحافة ليعرف أي شخص خضع لتدريب في وسيلة إعلامية لمدة شهر واحد فقط، أنّ هناك فرقاً بين خبر ووثيقة مسرّبة، وأن التدقيق في الخبر من بديهيات العمل الصحافي (كما يختم قبيسي تقريره). أما تصحيح معلومة وردت في وثيقة مسرّبة، فهو عمل يلي نشرها، لأن أيّ صحافي مبتدئ يعرف أن وجود معلومة خاطئة في وثيقة مسرّبة عن محكمة على هذا القدر من الحساسية، يمكن أن يشكّل أساساً لتحقيق (استقصائي؟) يجيب في متنه عن أسئلة لم يطرحها بول أبو جودة وأهمّها: إذا لم يكن بول شاهداً أمام المحكمة، فلماذا زُجّ باسمه في لائحة الشهود؟ من فعل ذلك؟ وبأيّ هدف؟
لكن يبدو واضحاً من التقرير أنّ معدّه لم يكن يقوم بعمل صحافي. لم يكن يبحث عن معايير مهنية ولا عن حقيقة خبرية. هناك ما هو أهمّ بالنسبة إليه. تصفية حساب شخصي مع «الأخبار». لا بأس بالنسبة إليه من تحقيق ذلك عبر استغلال المحطة التي يعمل فيها، والاستخفاف بالجمهور الذي يتوجّه إليه. قبيسي الذي لم يعجبه مقال كتب عن تحقيق أعدّه (الأخبار 4/4/2013)، قرّر الردّ عليه على طريقته. أدار حفلة شتائم على صفحته الفايسبوكية (راجع الإطار)، ثم انتقل إلى المؤسسة التي يعمل فيها ليمارس «حق الردّ» كما يفهمه. هكذا أعدّ تقريره الأخير مقدّماً لرؤسائه في العمل نموذجاً عن التقارير البائسة التي تفتقر إلى ألفباء الصحافة: معرفة الفارق بين خبر ووثيقة. أما الأخطر، فهو الاستخفاف بجمهور هذه المحطة الذي ضلّله في سبيل تحقيق هدف شخصي.
جزء كبير من الجمهور لا يعرف أن قبيسي نقل من مقال «الأخبار» الذي لم يعجبه بعض العبارات، وأوردها بحرفيتها في تقريره، وفي اعتقاده أنّه بهذه الطريقة يردّ على ملاحظات وُجّهت إليه. يبدو واضحاً أنّ «المدرسة» التي ينتمي إليها علّمته أن الصحافي لا يقبل النقد، ولا يعترف بالخطأ عندما يُرتكب. أكثر من ذلك، هو لا يعرف أنه مسؤول أمام جمهوره أولاً، وأن مسؤوليته كحريص على المهنة، أن يدلّ على الخطأ، لا أن «يعلّم» على زملائه، ناسفاً في طريقه أبسط المعايير المهنية. لا يحتاج الأمر إلى دكتوراه في الصحافة، ولا في أي مهنة أخرى، ليعرف أي شخص منّا أنه لا يمكن أي عمل أن ينجح إذا كانت «النكايات» خلفيته.



الردّ فايسبوكياً

كيف يفهم رياض قبيسي حق الرد؟ هنا نموذج: «ماذا أقول عما كتبته «الصحافية» مهى زراقط سوى أنّه «جعدنة». ها هي تحاول استدراج استعطاف الناس مع الفاسدين «ابن أحدهم أصيب بانهيار عصبي» يا للهول؟ ثم تدعي أنّني كشفت عن مصادري، ثم تدعي أنّ مصادري ستلاحق قانونياً، ثم تقول إنني خالفت قوانين الصحافة، ثم تقول إنّ حنا غريب ليس رئيس هيئة التنسيق النقابية! ثم تقول إنني لم اكشف عن من خلفهم (هل فاتتك صورة جو فرحا في مكتب خليل خوري، هل فاتك سؤال المرتشي عن من خلفه)، ثم فاتها أنني واجهتهم في مكان عام، ثم فاتها ما يعرف بالشأن العام (...) بئس هكذا صحافة، جريدة قامت منذ مدة بالتشهير بمواطنين لمجرد أنهم شهدوا للمحكمة الدولية عم تنظّر عليّ بأصول الصحافة. بئس هكذا صحافة».