لا يمكن ﺃن تمر واحدة من روايات سارة حيدر من دون أن تثير الانتباه. هذه الكاتبة الشابة التي بدأت النشر مبكراً، وبرزت بقوة، في السنوات الماضية، على واجهة المشهد الابداعي في الجزائر، تسعى باستمرار إلى كسر التابوهات الاجتماعية والدينية والسياسية. أصدرت بين 2005 و2007 ثلاث روايات بالعربية (ومنها «زنادقة»– «جائزة أبوليوس» الأدبية، 2005)، ثم انتقلت قبل ثلاث سنوات، إلى الكتابة بالفرنسية. جرّبت أخيراً أن تختصر الحياة اليومية وعبرت عن حالات جزائرية استثنائية في رواية تقترب بشكلها من المانيفستو وحملت عنوان «فواصل جنونية» (ﺃبيك ـــ الجزائر، 2013. رواية (أو شبه رواية كما سمتها المؤلفة) جمعت المتناقضات، وفضحت «لا ﺃخلاقية» مجتمع يعيش فصاماً عميقاً. ليس سهلاً ﺃن نقرﺃ Virgules en trombes. هي مزيج من الحكايات والأقدار المتداخلة في ما بينها، تتعدد فيها الشخصيات التي تظهر تارة وتختفي طوراً من دون سبب. الروائية تبدو كأنّها في صراع داخلي مع شخصياتها، تتلاعب بمساراتها بما يرضيها، تنتقم منها وتنتشي بحزنها.
هي سادية روائية تنطلق فصولها من شخصية «كاتبة» توظف موهبتها في الكتابة، في توقيع روايات لأشخاص آخرين، مقابل مبالغ مالية زهيدة تفي غرضها من الشرب والسهر في الحانات: «نعم، ﺃنا كاتبة ـــ خادمة، كاتبة سابقة، ﺃعرض كلماتي على ﺃصحاب المال، المفتقدين الموهبة، أعرض خدماتي على من يمتلك بركة كريسيوس ومن أصابه غضب رامبو».
لا يعرف القارئ عن شخصية «الكاتبة السابقة» سوى جزء من يومياتها الراهنة، سخطها على المجتمع الذي تعيش فيه، والاستغلال الذي تتعرض له باستمرار. تبدو الرواية كأنّها إسقاط واضح لحياة أي كاتب جزائري شاب عاجز عن إيصال صوته، غارق في البحث عن سبيل العيش الكريم، ومجبر على الكتابة «تحت الطلب» لكسب اهتمام دور النشر والاعلام. في المقابل، نجد في الرواية نفسها شخصية الكاتب الذي يستثمر موهبتها وتفانيها لتقديم نفسه أمام الآخرين باعتباره مبدعاً حقيقياً. وفي العلاقة المتشنجة بين الطرفين، تقدم «فواصل جنونية» بورتريهات متقاطعة عن حياة شخوص مختلفين في جزائر، تجمعهم متناقضات كثيرة، حيث تصير حياة المرﺃة معركة دائمة ﺃمام المنطق البطريركي الدي يتسع يوماً بعد آخر. تحكي سارة حيدر متاعب شخصيات الرواية بنبرة يشوبها الغضب. حملت الرواية عنفاً لفظياً في بعض أجزائها، وفظاظة يبررها الواقع العام الذي يدفع الفرد إلى انتهاج العنف كملجأ أخير للتعبير عن نفسه. ولكن في ظل حالة اليأس والإحباط والسوداوية التي تكاد تكون «حتمية» بين مختلف شخصيات الرواية، كان لا بد أن يظهر على النص بريق أمل، نافدة حلم، وشعرية متقطعة، تفاجئنا من حين إلى آخر. في بعض المقاطع، نشعر كأنّنا نقرأ شيئاً من مالك حداد في صيغة معاصرة، كما لو أنّ حيدر تتصالح مع نفسها ومع واقعها، بالعودة إلى الشعرية التي ميزت طويلاً الرواية الجزائرية، وبالدفاع بشدة عن حقها في ترقّب غدٍ افضل.
رواية «فواصل جنونية» هي نصّ «منتفص» يعبر عن حالة يقتسمها الكثير من الجزائريين، بين الغضب والانتظار، حيث يصير الراهن اكثر قساوة، ويفرض على كل واحد منّا أن يتعايش وينسجم معه قدر الإمكان.