دمشق | على خشبة «مسرح بابل» وسط شارع الحمرا البيروتي، يتابع المسرحي السوري أسامة حلال (1979) البروفات الأخيرة لعرضه الحركي الراقص «سيلوفان» الذي يقدمه مع فرقة «كون» المسرحية التي يشرف على تدريباتها وإخراج وعروضها. سيقدّم هذا العمل بالتعاون مع فرقة «سمة» للرقص التعبيري التي يديرها ويشرف عليها الكوريغراف علاء كريميد.
العرض الذي يندرج ضمن فعاليات «منمنمات: شهر لسوريا» التي يستضيفها مسرح «دوار الشمس» على مدى شهر كامل، قُدِّم سابقاً على خشبة «مسرح الحمراء» الدمشقي في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وحقق حضوراً جماهيرياً طيباً، وخصوصاً أنّه كسر حالة السبات الطويلة التي تغط فيها الحركة الثقافية السورية نتيجة أحداث الحرب المستمرة في البلاد.
يعالج «سيلوفان» في الدرجة الأولى الأثر الذي تولده الحرب في أسلوب حياة وطريقة تفكير الشباب السوري. خلال العامين الماضيين، خيّمت فكرة الهجرة بمعناها الواسع على هؤلاء، سواء الهجرة الجسدية إلى داخل أو خارج حدود الوطن، أو الهجرة النفسية وحالة الاغتراب التي يعيشها مجمل السوريين اليوم داخل حدود وطنهم! ففكرة العمل التي كتبها وأنجزها أسامة حلال تتمحور حول قراءته لانعكاسات الأحداث التي تعيشها سوريا على حياة البسطاء. الحرب والقتل أرغما هؤلاء على ترك بيوتهم والنزوح إلى مناطق أكثر أمناً، أو الهجرة من البلاد، وتحوّلهم إلى لاجئين يحملون أمتعة وحاجيات قليلة والكثير من الانكسارات والخيبات والألم في حقائبهم التي باتت المساحة الوحيدة الضيقة التي تختزل ماضيهم وأحلامهم ومستقبلهم. هذا ما يفسر تعمّد مخرج العمل تكرار ظهور الحقائب بألوان ومقاسات مختلفة على الخشبة، وفي الغالبية العظمى من مشاهد العرض، ومحاكاة الراقصين لها بحركاتهم، وإيماءاتهم ومونولوجاتهم الصامتة وما تقدمه من قراءات مختلفة تبحث جميعها عن إجابات عن جملة من الأسئلة الذي يطرحها العرض: هل تحولت الحقيبة إلى وطن مصغر يحمله السوريون معهم في رحلة اغترابهم؟ وما الذي يمكن أن يحمله اللاجئ السوري في حقيبته الصغيرة التي تحولت إلى مساحة ضيقة تختزل التاريخ والماضي وربما المستقبل الذي ينتظره؟
لا تختلف طبيعة العرض من الناحيتين الفنية والتقنية والبناء الدرامي، عن مجمل العروض السابقة التي قدمها حلال سابقاً. الاعتماد على نحو أساسي على مفهوم الغرض المسرحي، واستعمالاته المختلفة، والتركيز على مفاهيم الأسلبة والشرطية التي تحول الخشبة إلى فضاء مسرحي مفتوح، تسمح للممثل أو الراقص على حد سواء، باختزال الفكرة وتكثيفها وتقديمها إلى المتفرج بعيداً عن المباشرة، هذا ما يؤكده مشهد مفصلي في العرض، حيث قدم فريق العمل قراءة خاصة عن علاقة السلطة والديكتاتورية، التي باتت ترتبط مجازياً بكرسي الحاكم. يجلس أحد الراقصين على كرسي وثير وسط الخشبة، ويلفه بقية الراقصين برقائق السيلوفان وهم يقدمون إليه فروض الولاء والطاعة، لكن سرعان ما يعلنون العصيان والتمرد عليه، عندما يحطمون الصنم الذي بنوه بأيديهم. مع أنّ العرض يقدم في بيروت، لكنّ شبح الحرب السورية بقي حاضراً بقوة في الكواليس الخلفية للعمل «انقسم فريق العمل من الراقصين والفنيين بين دمشق وبيروت إلى فريقين، عمل كل منهما على البروفات بعيداً عن الآخر بسبب عدم تمكن عدد كبير من الراقصين من العودة إلى سوريا لأسباب مختلفة باتت معروفة للجميع» يقول مخرج العمل أسامة حلال لـ «الأخبار». ويتابع مفصّلاً الصعوبات التي عايشها فريق العمل «جرى استدعاء راقصين رئيسيين إلى خدمة العلم الالزامية في سوريا. هذا ما تطلب منا العمل سريعاً على إيجاد البديل الملائم في زمن قياسي». يأمل حلال أن تحقق تجربته الأخيرة حضوراً طيباً لدى الجمهور اللبناني، فـ «فكرة العمل تعالج رؤية الشباب السوري إلى مفهوم السلطة والديكتاتورية، والعمل يقدّم قراءة مسرحية خاصة لأحداث الأزمة والحرب السورية المستمرة. بيروت ليست بعيدة مكانياً أو فكرياً عن دمشق، تتقاسم العاصمتان اليوم الهموم والمعاناة ذاتها».



عرض «سيلوفان» لأسامة حلال: 8:30 مساء 7 و 8 نيسان