باريس | عولمة الكتاب هي على ما يبدو السياسة الثقافية الجديدة التي تتبعها فرنسا. هذا ما تبين خلال الدورة 33 من «معرض باريس الدولي للكتاب»، أحد أكبر المعارض الأوروبية المخصصة للكتاب وأعرقها طبعاً. المعرض الذي اختُتم قبل أيام شهد مشاركة 45 دولة و3000 كاتب وازدياداً في نسبة الإقبال بمعدّل 3 في المئة عن العام الماضي.هذه السنة، حلّت رومانيا ضيفة شرف. توضح لنا جوديث روز المسؤولة المساعدة عن الكتاب في «المعهد الفرنسي في باريس»: «كل عام تجري السلطات الفرنسية المضيفة للمعرض مشاورات في ما بينها لاختيار الدولة ضيفة الشرف، وذلك بطبيعة الحال، بناءً على ترشّح الدولة أو الدول المهتمة. يتوقف الاختيار النهائي، من بين عوامل أخرى، على أهمية التعاون في مجالي الثقافة والنشر بين فرنسا والدولة الضيفة. ومن المؤكّد أنّ هذا التعاون مع رومانيا التي تعرفون تقليدها الفرنكوفوني، خصبٌ جداً».

هكذا، حلّ 27 كاتباً رومانياً على المعرض، من بينهم غابرييلا داميستيانو ونورمان مانيا. ندوات ولقاءات لافتة أقيمت على هامش الدورة تركّزت على الرقابة والديكتاتورية والاستبداد: «المركز الوطني للكتاب» في فرنسا أقام نقاشاً بعنوان «الضحك على كل شيء» تمحور حول بعض الكتّاب الذين نجحوا في تفسير انهيار الاستبداد بين الضحك والسخرية. من جهته، نظّم المركز الثقافي الروماني لقاءات حول الكتابة في مواجهة الرقابة والكتابة في المنفى. هل يمكننا أن نكتب وراء الحدود في ظل الديكتاتورية؟ وهل الأدب المنفي انعكاس لإبداع الداخل؟ كل هذه المحاور قاربتها اللقاءات، لتعيد رومانيا طرح مكانة «الشاعر» في المدينة.
قبل ثلاث سنوات، قضى تقليد جديد باستضافة مدينة (اختيرت هذا العام برشلونة «مدينة العجائب»).
بدأ كل شيء في معرض الكتاب عام 2011، حين استضيفت بوينس آيرس في إطار التعاون الثنائي بينها وبين باريس من خلال المعهد الفرنسي. لكن كيف يتم الاختيار؟ تجيبنا جوديث روز: «تُحدَّد المدينة بصورة مشتركة، بناءً على الترشيح، من قبل معرض الكتاب، أي النقابة الوطنية للنشر، ومن قبل المعهد الفرنسي.
بعد موسكو عام 2012، في إطار السنة الأدبية الفرنسية الروسية، طُرِح لعام 2013 ترشيح برشلونة. لا شك في أنّ برشلونة ليست العاصمة الإدارية لاسبانيا، بل هي منذ قرن على الأقل مدينة أدبية بارزة وإحدى العواصم الكبرى في مجال النشر في
أوروبا».
كذلك، تكيّف المعرض مع النظام البيئي الجديد لصناعة الكتاب. لكنّ الترويج لما هو رقمي ترافق مع مخاوف أعرب عنها العاملون في هذا المجال إزاء زوال الكتاب (المُعَدّ ليصبح «سلعة نادرة وقيّمة»؟). هكذا، أقيمت على هامش المعرض لقاءات بغية تطوير استراتيجيات تمدّ الجسور بين الورق والصناعة الرقمية للحرص على التعايش الجيد.
في ظل المؤلفين «النجوم» المعروفين في صفوف الجمهور العريض مثال مارك ليفي وأميلي نوتومب، ركّزت الدورة 33 على أسماء أخرى تتناقلها وسائل الاعلام بمعدل أقل، وعلى الوجوه الجديدة في الساحة الأدبية الفرنسية التي تخضع لتحوّلات مستمرة، إضافة إلى حفلات تواقيع لفنانين وكتّاب لبنانيين مثل المصوّر اللبناني سامر معضاد وكتابه «تحوّلات بيروت» (دار آكت سود)، وهدى بركات «ملكوت هذه الأرض» (دار زولما).
ينظر المفوض العام للمعرض برتران موريسي إلى هذ الحدث الثقافي السنوي بوصفه واجهة ثقافية تجارية، و«المهم هو إذكاء النقاشات وعرض الكتب الأدبية الأجنبية أمام الجمهور. فـ30 في المئة من الأعمال الأدبية التي تُباع في فرنسا هي أجنبية. ومن هذا المنطلق ينبغي للمعرض أن يواكب السوق».