لم يشفع استقرار سعد الحريري في فرنسا في إيجاد حلّ للأزمة المالية التي تعصف بمكتب إذاعة «الشرق» في باريس. بل يبدو أنّ الحريري الابن أدار ظهره للعاملين بعدما أرسل لهم عبر المدير العام الجديد جميل شلق، الذي عيّن قبل سنة، بأنّ بيت الحريري أغلق «حنفية» التمويل. وبالتالي، فإنّ الموظفين مهدّدون بالصرف. بعد أزمة تلفزيون «المستقبل» التي ترتب عليها دمج القناتين الحريريتين في مؤسّسة واحدة خلال الصيف الماضي، والاستغناء عن مجموعة من الموظفين، ها هي الأزمة المالية تهدد اليوم موظفي الإذاعة التي أنشئت في باريس عام 1985 وكانت من أقوى الإذاعات العربيّة، حتى قيل إنّها هدّدت «عرش» راديو «مونت كارلو».
صحيح أنّ المشكلة التي تعانيها الإذاعة صارت مزمنة، إذ صرفت قبل أعوام 38 موظفاً وبقي فيها اليوم نحو 30 عاملاً، إلا أنّ الأزمة تبدو مستفحلة هذه المرة. فقبل أيام، تبلّغ تسعة موظفين فقط (تقنيين وإداريين) قرار صرفهم من عملهم بدعوى الضائقة المالية. أما الباقون، فينتظرون دورهم إلا في حال حدوث معجزة. تحت حجة الأزمة الاقتصادية أيضاً، باشرت إدارة الإذاعة في تطبيق خطّتها بوقف التعامل مع أربعة مراسلين (من القدس وواشنطن والقاهرة والرياض) عملوا لأكثر من عقدين فيها. وقد أوقفوا قبل شهرين تقريباً من دون أن يأخذوا تعويضاتهم ولا مستحقاتهم عن الأشهر الأخيرة. وتنوي الإدارة وقف الاشتراك في الصحف و«وكالة الصحافة الفرنسية» المخصّصة في اللغة العربية، علماً بأنّ هذين العنصرين مصدران رئيسيان للعمل الإذاعي. إذاً، تحتضر «الشرق» اليوم، ووحده سعد الحريري يملك زمام الأمور، فهو المموّل الأول والأخير للإذاعة. لكنّ القائمين على مكتبها في باريس نسوا أنّ الموظفين يتبعون لقانون العمل الفرنسي، وهو أمر يصبّ في مصلحتهم ويضمن حقوقهم، إلا إذا لجأ الحريري إلى أعوانه الفرنسيين ليخرج منتصراً.
واللافت هنا أنّ الأزمة التي تشهدها الإذاعة في باريس وترتب عليها صرف مجموعة جديدة من الموظفين، لا يعانيها مكتبها في بيروت الذي يديره كمال ريشا حالياً. يلفت أحد الموظفين في بيروت إلى أنّ «كل ما في الأمر أنه يتم التأخّر في دفع الرواتب بضعة أيّام، لكن لم يتم الاستغناء عن موظف واحد، بل بالعكس يجري التعاقد مع أشخاص جدد». وكانت الإذاعة في بيروت قد أطلقت في مطلع آذار (مارس) الجاري شبكة برامج جديدة، حيث حافظت على بعض الثوابت، كالبرنامجين الشهيرين «صالون السبت» و«المجالس بالإمانات» مع الإعلامية وردة الزامل، والنشرة المستمرة مع ماجدة داغر التي تواكب فيها الحدث السياسي والثقافي وتقدم قراءة للصحف. إذاً، وحده سعد الحريري قادر على انتشال الإذاعة، لكن يبدو أن هذه الأزمة مختلفة عن كل الأزمات التي مرّت على الإذاعة..