أعتقد بأنك كنت تعرف جيداً، أن هناك من ينتظرنا، واحداً وراء الآخر، كي نمضي، لننصرف من وجهه. ألم تمتلك مزيداً من القوة والقدرة والفعالية التي عهدناك بها، كي تقلع عيونهم بشوكتك الحادة يا معلّم؟
لطالما كنت معلّمي، منذ سنوات دراستي الأولى في السبعينيات، وكنت مرجعي في الحركة والدأب والمحاولة، إلى أن زرعت بذرتك الأولى في فيلمك "الفهد"، ثم سأقف مدهوشاً أمام "نبلك" السينمائي في فيلمك المهم والجميل "الكومبارس" الذي اخترت أن تصوّره في مكانٍ ضيّق، حين كنّا نظن بأن هناك متسعاً للضوء. وها نحن اليوم نكتشف نظرتك الثاقبة إلى ما نحياه اليوم من ضيق في الأمكنة والأرواح، ونعجز عن صوغ أفلامنا خارج الأمكنة الضيّقة، بشروط صعبة وقاسية ومحدودة، بعدما حُرمت علينا حركة الشارع، وحرّمناها على أنفسنا بوجود حملة السيوف. كنتَ حرّاً، وهذا ما نفتقده نحن اليوم. أتعرف؟ كنتُ اعتزم أن نكمل حواراتنا في دمشق، ما أن تعود إليها من إقامتك في دبي، عن أحلامنا المؤجلة في صناعة سينما وطنية، لكنك تعجّلت في المضي. هل لاحظت بأنني صوّرت فيلمي "سلّم إلى دمشق" في مكانٍ ضيّق أيضاً؟ بفارق أنني كنت مضطراً لذلك. كنت واثقاً بأننا سنستكمل تلك الحوارات كما "مسامرات الموتى"، وها أنت تترجّل من دون إنذار، وتدفن بعيداً عن أرضك الأولى، فكيف سنعيش هذه الظروف المرهقة في غيابك يا معلّم؟

* سينمائي سوري