«نحن في حضيض الحضيض»، بهذه الجملة تختصر نضال الأشقر واقع الثقافة في العالم العربي. هذا العام، يطلّ «يوم المسرح العالمي» في ظروف استثنائيّة مع ازدياد الأخبار الآتية من تونس حيث الاعتداءات تتكرر على المسرح والمبدعين، واستباحة القوى الظلامية للفن. الواقع اللبناني يختلف قليلاً. سلطة بلاد الأرز، وإن لم تطاولها الردّة، إلا أنّها كفيلة بإطاحة الذاكرة الثقافية، ونهش فضاءاتها. الضحية الأخيرة لهذه السياسة كان «مسرح بيروت» الذي شكّل محور الاحتفال البيروتي بيوم المسرح العام الماضي.
في يوم المسرح العالمي الذي يصادف اليوم، يوجّه «مسرح المدينة» تحيّة إلى أسامة العارف «الكاتب المسرحي، والمحامي، والصديق الذي كان متميزاً على جميع الصعد»، وفق ما تقول نضال الأشقر لـ«الأخبار». هكذا يحيي المسرح ذكرى الراحل الذي غادرنا بهدوء في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. محامي «مسرح المدينة» والعضو في مجلس أمناء المسرح، رافق الحركة المسرحيّة في لبنان وعصرها الذهبي. صاحب «إضراب الحراميّة» التي قدّمها روجيه عسّاف ونضال الأشقر عام 1971، سبق لـ«مسرح المدينة» أن كرّمه خلال مهرجان «مشكال» في أيلول (سبتمبر) الماضي. يومها، كُرّم العارف إلى جانب يعقوب الشدراوي، وبول شاوول، وسعيد سنو. والليلة، يسترجع الاحتفال ذكرى الراحل وبعضاً من أعماله. قبل بدء الاحتفال، ستعرض لوحات لميراي صفا التي ستقدِّم بدورها أغنية إيطاليّة من القرن السادس عشر. كذلك، ستتلى مقالات في الصحف عن الراحل، وفيلم صُوَر عن صاحب «بنسيون الست نعيمة»، بالإضافة إلى مشاهد سينمائية من بعض مسرحياته، وحلقة رقص صوفي معاصر. وضمن البرنامج، تلقي نضال الأشقر كلمة المسرح، فيما يلقي كلمة الأصدقاء جيرار خاجريان، وكلمة العائلة محمد بكري. تليها قراءات من مسرحيات العارف «بنسيون الست نعيمة» يقدّمها جلال خوري، و«إضراب الحرامية» (نضال الأشقر)، و«أيام بتسوا فرنكو» (بيتي توتل)، و«الطاووس البرتقالي» (جيرار أفيديسيان). وتُعرض مشاهد من «يا إسكندرية بحرك عجائب» التي أخرجها يعقوب الشدراوي ويغني خالد العبد الله باقة من أغنيات سيّد درويش والشيخ إمام.
وبالعودة إلى واقع المسرح اللبناني، ما يشغل بال الأشقر ليس انحسار المواهب الشبابيّة، فـ«الشباب في لبنان يتمتعون بمواهب استثنائيّة في التمثيل، والإخراج، والموسيقى». المشكلة تكمن في غياب وزارة الثقافة «التي يجب أن تخصص مبلغاً وميزانيّة أكبر للثقافة». ويزداد الأمر سوءاً في المناطق النائية والقرى. في ظل الاعتماد على المبادرات الفرديّة، نحن «بحاجة إلى مشروع وطني» تقول الأشقر قبل أن تؤكّد أن مهرجان «مشكال» للشباب الذي انطلق العام الماضي، سيتواصل كل سنة إلى جانب المحترفات المستمرّة في «مسرح المدينة». تستكمل الأشقر حديثها بحسرة، مستذكرة المسرح السوري والعراقي والتونسي. «هذه الهالة الظلامية التي ترخي بظلالها على العالم العربي خطرة فعلاً، لا يمكننا مواجهتها، بل نحتاج إلى عشرات الثورات التي تخلّصنا من الديموقراطيات المزيّفة». هكذا تبدو الأشقر التي ارتبط اسمها بالمسرح اللبناني منذ بداياته الطليعية في الستينيات، متشائمة ومتخوّفة مما سيجلبه لنا الغد. لن يجد الفنان العربي أمامه سوى الهجرة، فأي مستقبل للمسرح العربي في ظل هذا الواقع؟ «قد يشبه مصير فنانينا، مصير الفنانين الإيطاليين الذين هاجروا من بلدهم أثناء القرن السادس عشر»، تختم الأشقر في «يوم المسرح العالمي».

«مسرح المدينة يتذكّر المحامي والكاتب أسامة العارف: 8:00 مساء اليوم ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/753010



الكلمة لداريو فو

كلمة «يوم المسرح العالمي» كتبها هذا العام المسرحي المعروف داريو فو (1926). الإيطالي الحائز جائزة «نوبل» للآداب لعام 1997، تناول في رسالته موضوع الكوميديا المسرحية، واختلاف الصعوبات التي يواجهها ممثلوها بين الماضي والحاضر. وقد عاد فو في كلمته إلى عصر الإصلاح في روما الذي اتهم الممثلين بإهانة المقدّسات. فقد أصدر البابا الثاني عشر أمراً عام 1697 يقضي بهدم مسرح «توردينونا» الذي نظم عدداً كبيراً من العروض «غير اللائقة». ورأى فو أنّ المشكلة تتمثل اليوم في صعوبة عثور الممثلين على دور عرض و... مشاهدين.