تكاد المعارك الافتراضية التي تشهدها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان تجعل الحرب واقعة قبل حصولها. ينطبق ذلك على باب التبانة وجبل محسن. تدور بين المنطقتين حرب افتراضية على الفايسبوك، حيث يشارك كل جانب بحماسة واندفاع. أما صدقية ما يبث على الصفحات، فتلك مسألة أخرى. إنّها حرب من نوع آخر تدور بين المنطقتين الشماليتين ليس بواسطة الرصاص والقذائف، بل عبر الشبكة العنكبوتية وفي معركة تهدف إلى التجييش والتعبئة والتحريض المذهبي والأهم نشر الشائعات الضرورية لـ«شحذ الهمم». هذه الأزمة تنذر بوقوع الحرب الحقيقية في أيّ لحظة، شأنها شأن حرب أجهزة اللاسلكي التي كانت ولا تزال أحد عوامل تجدد اندلاع النزاع وجولات العنف كل مرّة بسبب انتشارها الكثيف بين أيدي المسلحين في كلا المنطقتين.
الصفحات الفايسبوكية التي تكاثرت بالعشرات، أصبحت مصدراً لمعظم الأخبار والشائعات المتعلّقة بالمنطقتين. لا يحتاج المرء سوى إلى جهاز خلوي موصول بالشبكة العنكبوتية، ليصبح جاهزاً لدخول اللعبة. وأول من أمس، كان خبر مطاردة صهاريج المحروقات السورية هو الشغل الشاغل لأغلب روّاد مواقع التواصل الاجتماعي من المنطقتين. صفحة «شبكة أخبار أهل السنّة» على فايسبوك مثلاً، نشرت خبراً عاجلاً مفاده أنّ «الصهاريج الأسدية موجودة الآن على حاجز دير عمار، وتنتظر الليل للانطلاق»، قبل أن تضيف خبراً آخر يفيد بأنّ «ثلاث شاحنات ممتلئة بالسلاح كانت متوجّهة إلى جبل محسن، لكنّ شباب التبانة أوقفوها، والجيش الآن موجود على مستديرة نهر أبو علي». الصفحة التي بثّت أخباراً عاجلة عن سقوط قذيفتين على منطقة جبل محسن، نشرت أيضاً خبراً مرفقاً بصورة وجملة مفادها أنّ «خزانات الصهاريج السورية الموجودة قرب الملعب الأولمبي عند مدخل طرابلس الجنوبي، توضع داخل قاطرة ومقطورة عليها لوحة لبنانية، ويتم «تشديرها» من قبل الجيش اللبناني، لكي تمرّ بسلام ولا يتعرض لها أحد»، طالبةً من «الشباب» أن «يجهّزوا أنفسهم عند الضرورة».
وانطلاقاً من مبدأ «صحافة المواطن»، تورد صفحة «شبكة أخبار أهل السنّة» تعليقاً لإحدى المواطنات تؤكّد فيه الخبر السابق، وتقول إنّ «الشاحنات الأسدية المحمّلة بالصهاريج تمت تغطيتها بالشوادر، وقد دخلت الملعب الأولمبي حيث تتمركز ثكنة للجيش اللبناني. معلومات عن استعداد العساكر والآليات لمواكبة الصهاريج. يرجى النشر ويجب أن نمنعهم بأي وسيلة كانت». بدورها، تناولت «شبكة أخبار باب التبانة» النبأ نفسه، ونشرت خبراً مرفقاً بصورة يتحدّث عن وقوف شاحنات قرب الملعب الأولمبي، مضيفة إنّ «أسود التبانة، بعد الترصّد للشاحنات السورية، هي متوقفة الآن في الملعب الأولمبي تحت حماية الجيش اللبناني ـــ الإيراني». أما صفحة «أخبار أسود باب التبانة»، فتضيف إلى خبر الصهاريج نبأ نقلته عن «مصدر موثوق»، وفق تعبيرها، يفيد بأنّ «الشبيح الأول في لبنان المتمركز في جبل محسن في طرابلس، رفعت عيد، يهدّد أبناء طرابلس بالخطف». ومن بين الصفحات الفايسبوكية الموالية لهذا المعسكر، نذكر «أخبار طرابلس الجديدة 2» التي أكدت أنّ «أسود السنّة في طرابلس بدأوا يتجمّعون عند دوّار نهر أبو علي وينتظرون صهاريج الأسد»، متوعدةً بأنّه «والله لن نرحم أحداً، سيتم حرقهم فوراً».
على المقلب الآخر، لا تبدو الصورة أفضل حالاً. التعبئة والتجييش والتحريض والشائعات أيضاً تبلغ ذروتها. صفحة «أخبار جبل محسن» مثلاً بثت خبراً عن «اعتداء وقع على أحد أبناء جبل محسن في منطقة التل، وتعرّض مسلّحين لشاحنات وصهاريج سورية على أوتوستراد الملولة»، قبل أن «تزف بكل فخر واعتزاز خبر استشهاد محمد الحسون في ريف دمشق، وهو من أبناء المنطقة». في غضون ذلك، نشرت صفحة «شبكة أخبار جبل محسن الرسمية» خبراً عاجلاً عن سقوط قذيفة إنيرغا في محيط جبل محسن، وإصابة مواطن بجروح طفيفة، وخبراً آخر عن «وصول الرئيس السوري بشار الأسد المفاجئ أمس إلى المركز التربوي للفنون الجميلة في دمشق للمشاركة في أحد نشاطاته». وإذا كانت تلك الصفحة في جبل محسن تنشر أخباراً عاجلة عن استهداف المنطقة برصاص قنص أو قذائف إنيرغا، إضافة إلى عرض مقاطع من أغنية المطرب وديع الصافي: «جبلنا هون ما بنترك جبلنا»، فإنّ صفحة «أخبار جبل محسن الصامد» تذهب بعيداً حين تعلّق فوق صورة لأرتال من دبابات الجيش السوري: «ويلكم إذا دخل الجيش العربي السوري إلى طرابلس. تأكدوا أنّكم سوف تسحقون تحت أقدامه!».
إنّها إذاً «حرب افتراضية» بكل ما للكلمة من معنى، لكنها ليست سوى صورة مطابقة لما يحدث على الأرض، حيث يحاول طرفا النزاع حسم «المعركة»، كلّ لمصلحته، مستخدمين كل الوسائل المتاحة!