في دبي، مدينة الرمال، تستيقظ النجمة السورية أمل عرفة والغصّة تخيّم على مشهدها الصباحي الطويل. ساعات ويحتفل العالم بعيد الأم، تتأمل وجه مريم وسلمى وتبتسم طويلاً. هي أم لطفلتين تنزعان منها بسمة في وجه كل هذا الجنون والدم، تتجه نحو جهاز الكومبيوتر، تفتح صفحتها الشخصية على موقع الفايسبوك، تستعيد ذكرياتها بشكل خاطف وموجع، فوجه والدتها الراحلة يسكنها وتكتب: «بعدك ما حدا يا امي... الله رحمك من شوفة هالأيام الصعبة يا حبيبتي». ثم تضع «لينك» أغنية وديع الصافي «امي يا كلمة حب غناها الزمان، والبحر نقطة صغيرا من قلبها، ربي نزل ع الأرض مرة وحبها هوي الحنان وقلها اسقيني الحنان». ترفع الستارة بعدها على سيل من التعليقات والبوح.
بجملة صادقة بسيطة وأغنية شهيرة وضعتهما على الموقع الأزرق، تمكّنت صاحبة «رفة عين» من وضع إصبعها على الجرح النازف. عيد الأم يمر على سوريا ثكلى، ومئات الآلاف من أبنائها المشرّدين يبحثون عن ملاذ آمن في أصقاع الأرض، حتى إنّ بعضهم يسكن العراء. ما سبق ليس مشهداً هارباً من مسلسل درامي، بل لقطة حياتية صادقة تختصر وجع الأم السورية التي تمكّنت الدراما السورية من تقديمها بشكل متقن منذ أن خطفت نجاح حفيظ قلب الجمهور وهي تجسد مشهد الأم ذارفةً دموعاً حقيقية، ومنذ أن أجادت الممثلة الراحلة نبيلة النابلسي تجسيد دور الأم الحنونة، وكانت في الحقيقة أماً لطفل مقعد، ومنذ أن استطاعت الممثلة القديرة منى واصف لعب أدوار لافتة لأمهات سوريات. كذلك الأمر بالنسبة إلى ثناء دبس، وضحى الدبس، وصباح الجزائري. وبقي أداء الممثلة الشابة لورا أبو أسعد خاصاً عندما جسدت شخصية والدة الشهيد يحيى عياش في مسلسل حمل الاسم نفسه (2003) للكاتبة ديانا جبور والمخرج باسل الخطيب.

خلال العامين الماضيين، عاشت الأم في سوريا تجارب واقعية أكثر وجعاً من كل حكايات الدراما. ومع ذلك لا تزال الأمهات السوريات يتمسكن بالإنجاب ولو كان الزلزال يضرب أرض الشام. ومن بين الأمهات ممثلات سبق أن اختبرن الأمومة في الدراما، لكنهن اليوم يعشن شعوراً مختلفاً في أول عيد أمّ يمرّ عليهنّ وهنّ أمهات. الممثلة رنا سميش واحدة منهن. سبق أن نشر عدد كبير من المواقع الإلكترونية صورتها لحظة ولادتها وهي تحضن ابنها للمرة الأولى. في حديثها مع «الأخبار»، تقول عن تلك اللقطة: «إذا كان الماكياج يشوه الحقيقة، فأنا متخلية عنه بشكل دائم. تلك كانت أصدق لحظة أعيشها في حياتي. لذلك سررت بأن يشاهدها من يريد». في السياق ذاته، تحكي نجمة «ليس سراباً» عن احتفائها بعيدها كأم للمرة الأولى، فتقول: «للمرة الأولى، كل شيء مختلف في هذا اليوم. وأنا أختبر شعور الأمومة. ربما بذلت كل جهودي حتى لا أشعر بالتقصير نحو والدتي، لكن يعترينا دوماً شعور بالتقصير تجاه الوالدين، وعجز عن منحهما ما يستحقان. وربما أكثر ما يعبر عن مشاعري أني أعدت اكتشاف أمي. شعرت بحقيقة أن تكون اختزالاً لكل الأشياء الجميلة، وخصوصاً بعدما أصبحت أماً» تشرح رنا شميس: «لا أبالغ لو قلت إنّ الأشياء بدأت تختلف كلياً في نظري منذ لحظة الإحساس بابني وهو يتحرك داخل رحمي. غالباً ما أواجه بلوم البعض لأنني قررت الإنجاب وسوريا تغرق في بحر من الدماء، لكن عجلة الحياة مستمرة، وسوريا ستبقى... فكيف يمكن أيَّ امرأة سورية أن تتردد في الإنجاب ونحن نفقد أجيالاً؟ اكتوينا بنار الفقد الموجع، ونذرف يومياً دموعاً على أطفال وشباب وشيوخ تشبّع التراب بدمائهم مهما كان انتماؤهم أو توجههم. علينا أن ننجب جيلاً جديداً يعمّر هذا الخراب. ولن تمنعنا المحن من أن نكون أمهات». يوقف البكاء صوت شميس لأكثر من مرة، لكنها تتماسك وتستطرد: «اخترت أن أكون أماً ولو أنّنا نسير في نفق مظلم لا يتضح فيه أي بصيص أمل. كل ما أفكر فيه اليوم أنه لو أتاح لي القدر أن أكون أماً مثل أمي، سيكون الله راضياً عني». من جانب آخر، لم توقف العائلة مسيرة الممثلة المهنية، إذ تمكنت وهي حامل من تصوير مسلسلين عرضا العام الماضي، بينما صوّرت هذا العام دورها في مسلسل «عيلة ومكترة» مع المخرج فادي سليم. في موازاة ذلك، تختبر الممثلة رواد عليو شعوراً مشابهاً. طفلتها لور لم تكمل شهرها الرابع. لذا ستكون صرختها اليوم معادلةً لكل الهدايا الجميلة التي من شأنها أن ترسم ضحكة على شفاه الأم في عيدها. تقول عليو لـ«الأخبار»: «أخجل من الحديث عن شعور فرح يغمر قلبي، وأنا أعيش عيد الأم للمرة الأولى وأختبر مشاعر الأم الحقيقية. أخجل من دموع الأمهات السوريات الثكالى. أخجل لأنني سأكون بعيدة عن الجميع، ولن ألامس أحداً لو تحدثت عن علاقتي بطفلتي والدماء لا تجف على أرض بلادي. كل ما يمكنني فعله هو الدعاء والصلاة لأن يغمر السلام قلب كل أم عانت من الفقد لأنني عرفت معنى «الضنا». وعندما تفقد الأم ابناً، فذلك يخالف قوانين الحياة الطبيعية، ويموت في داخلها كل إحساس بالدفء والحنان. ربما علينا أن نصغي إلى حزن الأمهات السوريات في هذا اليوم. راحت تلك الأيام التي كنا نحتفي بأمهاتنا فيه».



ولو زيارة قبر

قبل ساعات من عيد الأم، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بصور
الأمهات والنجمات الأمهات كسلافة معمار وابنتها. اختار رواد الفايسبوك الاحتفاء بنشر صور أمهاتهم ولو كان احتفالاً ممزوجاً بجرعات من الحزن والحنين تحديداً عند السوريين والمغتربين، وكل من تنهره قسوة الرحيل عندما تشرق شمس هذا اليوم ويكون احتفاله عبارة عن زيارة قبر أمه.