أول من أمس، عندما كانت بروفة الحرب الأهلية تتنقّل بين المناطق اللبنانية عبر قطع الطرق والاعتداء على المارة والصحافيين، أبرزهم طاقم قناة «الجديد» نوال بري والمصوّر سمير أسمر، على خلفية الاعتداء على الشيخين أحمد فخران ومازن الحريري، كانت حرب أخرى تدور رحاها على شبكات التواصل الاجتماعي ولا تقلّ شراسة وبثاً للسموم الطائفية والمذهبية عما يحصل على أرض الواقع. صفحتان كانتا «نجمتي» الفايسبوك أول من أمس، هما: «أشباح الضاحية» و«شبكة أخبار الطريق الجديدة». فقد طفتا على السطح عندما مارست كل منهما كل أنواع التحريض والكراهية، كل من موقعه المذهبي والسياسي. صفحتان متساويتان في عدد المنضمين إليهما تخطّتا الخمسة الآف، لكن كليهما متورّط في تزكية الصراع المذهبي. لم تولد صفحة «أشباح الضاحية» حديثاً (15 آب/ أغسطس 2012)، بل كانت منبراً وما زالت لما تدّعي أنّها تمثّله، وأعلنت مناصرتها لكل من «حركة أمل» و«حزب الله». الصفحة التي تدعو المنضمّين إليها باللهجة الجنوبية المعروفة بـ«الضغث» (استبدال الطاء بالثاء) عليها ونشرها، شكّلت في الأشهر الماضية شبكة لنقل الأحداث الواقعة في لبنان بالصور والمقالات الصحافية مع تخصيصها للجانب الديني ولأقوال الأئمة حيزاً كبيراً. كل تلك الاستعراضات لا تشكّل سوى مقدار قليل من هذه الصفحة، لأن نجمها المفضّل بالطبع هو الشيخ أحمد الأسير. هكذا، تغزو صفحاتها تعليقات ساخرة متهكمة على «رجل الثلج»، بالإضافة إلى الصور المركّبة له والمستهزئة من كلامه. كل ذلك مقرون بانتحال واضح لصفة الحزبين المذكورين والتحدث باسمهما وليس آخر الإبداعات القول «باسم «حزب الله»: بكل تواضع سنحكم العالم»، «نحن أصحاب القمصان السود حاضرون في كل ساحة»... وأول من أمس، شكّلت الصفحة مجدداً بوقاً للتحريض ولبث الفتن المذهبية من خلال السخرية من الشيخين المصابين والتضامن مع المعتدين! بدورها، شكّلت صفحة «شبكة أخبار الطريق الجديدة» منبراً لحقن النفوس تحديداً السلفية، فهي التي تأسست حديثاً (الأسبوع الماضي) وباتت المدافعة عن جبهة «النصرة» الأصولية. يُختصر هدف تلك الصفحة بالتحريض المذهبي وبث الكراهية عبر ضخّ المزيد من الأوصاف والتعليقات المهينة في حق المذاهب الأخرى، واتهامها بالكفر واتباع ثقافة «همجية موحدة» ممهورة بإمضاء كل من «أبو عديّ» و«أدمن طرابلسي». هذا بالإضافة إلى تغطيتها المستمرة لتحركات الشيوخ السلفيين، وخصوصاً داعي الإسلام الشهال (القائد المجاهد) وأحمد الأسير، وإرفاق الأخبار بصور حية مأخوذة من أرض التوتر. كما تروّج لإقامة الإمارات الإسلامية، منها طرابلس وعرسال، وتحرّض على قناة «الجديد» التي «تشوّه صورة السنّة»، واصفين إياها بقناة «الفتنة». الصفحتان لم تكونا منفصلتين بعضهما عن بعض، فقد راحت كل منهما تتبادل نقل التعليقات لافتعال المزيد من التحريض والتلطّي خلف شعارات افتراضية تُطلق سعياً لإزكاء الفتنة المذهبية. واللافت في المعركة الافتراضية انضمام صفحة الأسير الى جوقتهما، لكن طبعاً مع اصطفافها الى جانب أصدقائها في «شبكة أخبار الطريق الجديدة». في خضم كل ما يحصل ويُفتعل، ظلّت سوريا حاضرة في هذين المنبرين منقسمة بين معارضة وموالاة. راحت «شبكة الطريق الجديدة» تنقل أخبار المعارك في سوريا وتنشر تعليقاتها المتهكمة على الرئيس بشار الأسد. وعلى حذوها فعلت صفحة «أشباح الضاحية»، لكن عبر ضخ المزيد من الدعم للنظامين الإيراني والسوري. وبرزت دعوات من الفايسبوكيين بضرورة الإبلاغ عن هاتين الصفحتين تمهيداً لإقفالهما الذي تم أمس. إلا أنّ صفحتين بديلتين لهما سرعان ما انطلقتا مجدداً على الفايسبوك لتواصلا «رسالتهما» في التحريض وتشجيع الفتنة على أرض خصبة مستعدّة للاشتعال في أي لحظة.