أن تشاهد امرأة سعودية السينما في بلدها ضرب من الخيال. لكن أن تصنع سعودية فيلماً حول حقوق المرأة، فهي المغامرة بذاتها. ليس في فيلم هيفاء المنصور ما يصدم جمهوراً ينتمي إلى مجتمع يعرف الحد الأدنى من التحرر. لكن أن يكون هذا الفيلم في بلاد مثل السعودية حيث تحارب المرأة لنيل حقوق بديهية، فهو أمر كفيل بتقدير الشريط حتى قبل مشاهدته، خصوصاً إذا كان ذا بعد سياسي يمظهر الصراع الخفي بين السلطتين السياسية والدينية في المملكة.
لم يكن «وجدة» ليخرج إلى النور لولا تلقي المخرجة دعماً مستتراً، ولما كان ليعرض في «مهرجان دبي» وينال جائزة لولا الرضى الرسمي عنه. حتى أنّ المخرجة لم تخف استغرابها من عدم عرقلة مشروعها الذي صوّرته في الرياض، إحدى أكثر المدن السعودية تشدداً رغم معاناتها الأمرّين لإيجاد تمويل حظيت به أخيراً لدى شركة «روتانا» وما يمثله صاحبها من خط خاص في المملكة.
اختيار «وجدة» لافتتاح «أيام بيروت السينمائية» يندرج ضمن حرص المهرجان على دعم السينما العربية منذ انطلاقته. يتحدث الشريط عن الطفلة وجدة المتمردة على مجتمعها الصغير والرافضة لإملاءات المجتمع الذكوري من خلال سعيها لامتلاك دراجة. الدراجة هنا تتحوّل مثالاً رمزياً تعرض فيه المنصور واقع المرأة السعودية، حارصةً على المرور بين ألغام الرقابة بحذر. نراها تعرض المشكلات من دون إبداء رأيها، تاركة للجمهور النقد الذي توجهه من خلال حبكة فيلمها. تقدم كل ما يشوب مجتمعها على طبق من سينما من زواج القاصرات وتعدد الزوجات إلى حرمان المرأة من العمل في مجالات كثيرة منعاً للاختلاط وبقائها تحت رحمة سائق رجل لمنعها من التنقل من دون محرم.
إنّه فيلم فيه الكثير من الألم. تلاحق الكاميرا أدق تفاصيل يوميات وجدة ووالدتها، تراقب أحزانها وشجونها ورضوخها مكرهة لاحكام تعتبر صوت المرأة عورة، وانفتاحها جريمة، والتعبير عن عواطفها «شذوذاً أخلاقياً». لكن أبرز ما في الفيلم هو دور المرأة السعودية نفسها الذي يكرّس القمع، لتركز المخرجة على دور المدرسة وطاقمها التعليمي من النساء في فرض إرهاب التمييز على التلميذات، لتقول إنّ صمت المرأة شريك في قمعها.
استطاع الفيلم الأول الذي تخرجه امرأة سعودية أن يقدّم الى السينما مجموعة من الممثلين الواعدين بدءاً من وعد محمد (لعبت دور وجدة) التي قدمت مستوى رفيعاً يؤهلها لادوار أكبر، وكذلك الممثلة ريم عبد الله التي اشتهرت في مسلسل «طاش ما طاش». غطّت الممثلتان الضعف في أدوار باقي الطاقم التمثيلي. واستطاعتا إضفاء نكهة على الشريط أو إغناء السينما الخليجية الفتية. مع ذلك، استطاع الفيلم أن يحوز تمويلاً مهماً ناهز أربعة ملايين دولار لم تظهر قيمتها لا في التصوير ولا في المؤثرات البصرية والصوتية. «وجدة» يستحق المشاهدة، فهو يتخطى دوره الروائي ليؤرخ واقع المرأة السعودية ويستحيل مرجعاً مستقبلياً لقياس مدى تطور هذا المجتمع الذي يحاول عبثاً العودة الى المسار الحقوقي الطبيعي للشعوب... فهل يكون «وجدة» بداية السبحة التي تفتح كوة في جدار الرقابة الرسمية والشعبية على المرأة والسينما؟