يروي نزيه أبو نضال (1943) في حواره مع زميله ورفيقه زياد منى تجربته مع المقاومة الفلسطينية، بوصفه واحداً من أوائل الذين انضموا إلى صفوف الكفاح المسلّح، ليجيب عن سؤال «لماذا هُزمنا في كل المعارك التي خضناها، قوميين، وأمميين، ونقابات شعبية، وثورة فلسطينية مسلحة؟». في «من أوراق ثورة مغدورة» (دار قدمس ـــ بيروت)، نتعرّف عن كثب إلى كواليس منظمة «فتح» الفلسطينية خلال تجربة شاب أردني أوقف دراسته في جامعة القاهرة، ليلتحق بمعسكر للفدائيين في دمشق، بتأثير عار هزيمة حزيران 67، وحماسته القومية للمساهمة في المقاومة. في معسكر «العاصفة» في دمشق، بدأ غطاس صويص (هذا هو اسمه الحقيقي) دورته التدريبية، إلى جانب القيام بعمليات عسكرية من الجولان وجنوبي لبنان.

سوف يكتشف باكراً، أخطاء المدربين، وغياب البرنامج التثقيفي والقتالي في المعسكرات التدريبية، وخصوصاً في انطلاقتها الأولى. أحلام وخيبات عاشها مقاتلاً، بين دمشق وبغداد وعمّان وبيروت، لينتقل بعدها إلى العمل مدرّباً ومفوضاً سياسياً في معسكرات «فتح» التي بدأت تفتح أبوابها أمام متطوعين من جنسيات مختلفة.
يستعيد نزيه أبو نضال مشهد متطوعين أكراد اصطفوا على امتداد ثلاثة كيلومترات، أمام مكتب «فتح» في بغداد، لتسجيل أسمائهم في قوائم المتطوعين للقتال في فلسطين، وكيف أمر النائب حينذاك صدام حسين بإغلاق المعسكرات في العراق، ومنع التبرعات المباشرة. وفي المقابل، يروي بأسى غياب الوعي القومي لدى آخرين «لا أدري كيف ذُكر اسم جورج حبش، فقال أبو جعفر: هذا جاسوس! الأمريكان شغلوه وهو في الجامعة الأمريكية» يقول.
هكذا انتقل لاحقاً إلى العمل في إعلام «فتح»، ليصدر نشرة باسم الحركة في عمّان، بالتعاون مع ماجد أبو شرار، لكنه سيجد نفسه حيال فواتير خاسرة من نوع آخر، إذ كانت البروباغندا تتفوق على الحقائق، فتتحول الهزيمة إلى نصر، كما في عملية «عين البيضا» في فلسطين، ومعركة «عش النسور» في العرقوب، جنوبي لبنان، لكن كان هناك من يتبرّع على الدوام بقلب الحقائق مقابل مقاولة رابحة، أو أن يطلب ياسر عرفات من نايف حواتمة تبني إحدى عمليات «فتح» الناجحة لرفع شأن «الجبهة الديمقراطية» في الكفاح المسلح؟
يفنّد نزيه أبو نضال بدقّة الأخطاء الثورية التي كانت تتراكم بالتسلسل، في ما بعد «أيلول الأسود» (1970)، وانحسار العمق العربي للمعركة مع إسرائيل، لتتفوّق، في نهاية المطاف، صرخة محمود درويش «يا وحدنا». الصراع اللاحق سيتطوّر بين تيار يميني تمثلّه «فتح»، وتيار يساري ديمقراطي يضم أطيافاً فكرية متنوعة حول خيار «البرنامج المرحلي» للتسوية مع إسرائيل، ما فتح الباب واسعاً أمام الاغتيالات الداخلية، وتصفية شخصيات كثيرة، أو شرائها. في «المرحلة اللبنانية» (1971)، يضيء صاحب «المثقفون في التجربة» على أحوال الفلسطينيين في لبنان، والخوف من مباهج هذه «المدينة الفاتنة». فقد كان «الشرخ تحت الرماد»: «قررت مغادرتها والالتحاق بقوات «العاصفة» مفوضاً سياسياً، وانطلقت إلى الجنوب، مثل نوح، لا أنظر إلى الوراء». سيتوقف نزيه أبو نضال مطوّلاً، أمام وقائع الفساد التي بدأت تنخر جسم حركة «فتح» بتأثير غزارة أموال النفط، «لكن فساد القيادة وإفسادها، لم يكونا مقتصرين على الساحة الفلسطينية، يمكن المرء الحديث مطوّلاً عن سرقة المصارف في أثناء «حرب السنتين» تحت إشراف رفاق وأمناء عامين» يقول. ويعرّج على حادثة اختطاف المناضل السعودي ناصر السعيد، بينما كان خارجاً من مبنى جريدة «السفير» في بيروت على يد «أبو الزعيم»، لكن وفق تعليمات عليا، مقابل مبلغ مالي كبير. إضافةً إلى محاولات ياسر عرفات محاصرة مجلة «فلسطين الثورة» مالياً، لوقف حملتها ضد فكر التسوية. عملية ترويض أصحاب الأفكار المضادة للتسوية، لم تتوقف يوماً، إذ كان مطلوباً إخضاع هؤلاء للبرنامج السياسي لحركة «فتح». ولعل في استقالة أنيس الصايغ من رئاسة «مركز الأبحاث الفلسطيني» أنموذجاً لكل من يرفض أن يخوض حروب عرفات مع الآخرين. ينهي نزيه أبو نضال شهادته بقوله «الثورة التي كانت، طارت إلى أوسلو، ونُحرت في المقاطعة».