خلال شهر تموز (يوليو) من العام الماضي، انتشرت في أنفاق نيويورك لوحات إعلانية تبيّن بالخرائط كيف كان الاحتلال الإسرائيلي يقضم الأراضي الفلسطينية منذ عام 1947 (الأخبار 18/7/ 2012). يومها، اغتاظت المنظمات الداعمة لإسرائيل وحاولت ممارسة الضغوط لإزالتها، لكنّها فشلت في مسعاها. وبعد شهرين فقط، ردّت مجموعة موالية لإسرائيل من خلال نشر إعلانات في نيويورك أيضاً (الأخبار 26/9/ 2012)، لكنّ رسالة إسرائيل في حملتها كانت «ادعموا إسرائيل، اهزموا الجهاد». وبعد شهرين على ذلك، أطلق «مجلس العلاقات الأميركية ــ الإسلامية» في العاصمة واشنطن أخيراً حملة إعلانية مضادة للحملة الإسرائيلية، تهدف إلى «تسويق صورة حسنة عن الجهاد». توزّعت ملصقات الحملة على باصات في واشنطن وشيكاغو وسان فرانسيسكو، ونشطت على مواقع التواصل الإلكتروني تحت اسم «جهادي» My Jihad.

هذه الحرب الإعلانية ـــ كما تُخاض حتى الآن ـــ هي بوضوح لمصلحة إسرائيل. ليس فقط بسبب الشعبية التي تتمتع بها الحليفة التاريخية في الشارع الأميركي، ولا بسبب حرب «العقول والقلوب» المستمرة على «الإرهاب» منذ ثلاث عشرة سنة، بل أيضاً بسبب ضياع (بل قل سذاجة) الطرف الآخر ووقوعه في الفخّ المحكم.
في حربها الإعلانية على الأراضي الاميركية، حوّلت إسرائيل المعادلة من محاربة الفلسطينيين ومن صورتها ككيان محتلّ لا يختلف عن نظام الأبارتايد في ممارساته وسلوكه، الى محاربة «الجهاد». باختصار، لقد أدركت المجموعات الساهرة على مصالح إسرائيل في أميركا سريعاً أنّ «الجهاد» بات منذ عام 2001 أشبه بــ «بضاعة ربّيحة» أكثر من شعاري «حق اليهود بدولة» و«حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها». في اختيارها الذكي لشعارها الإعلاني، تماهت إسرائيل مع الولايات المتحدة وشعبها في حربهما على «التطرّف الديني» الإسلامي، الذي يهدد أمن الأميركيين، كما يهدد الإسرائيليين. فـ«الجهاد» عدو إسرائيل أيضاً وفق ما يقول الإعلان. هكذا وصلت الرسالة سريعاً وبنجاح. اختفت فلسطين من الصورة الإعلانية ومن الصراع وحلّ محلها «الجهاد».
والأسوأ أنّ الدهاء الإسرائيلي قوبل بضياع الطرف الآخر. وبدلاً من أن يركّز المعنيون على إعادة فلسطين الى جوهر الصراع وسبب وجوده، ها هم ينزلقون إلى الاستدراج ويدخلون في اللعبة الإسرائيلية ويردّون عليها بـ «تحسين صورة الجهاد». لا شيء يمكنه أن يجمّل «الجهاد» في نظر الاميركيين. ولن يقتنعوا يوماً بأن كلمة «جهاد» قد تعني «جهاد النفس» أيضاً من أجل تحمّل مصاعب الحياة وبناء إنسان أفضل.
حملة My Jihad أو «جهادي» الجديدة التي تجوب شوارع بعض الولايات والمدن الاميركية، وتنشط على مواقع تويتر وفايسبوك ويوتيوب، تتضمن ملصقات إعلانية منوعة تحوي جملاً قصيرة يقولها شباب وشابات مسلمون مع مواطنين من انتماءات دينية أخرى. بعض تلك الجمل تقول: «جهادي هو أن أبحث عن الأفكار الجديدة وأتغلب على التحديات، ما هو جهادك؟»، وأخرى «جهادي هو أن أتابع حياتي رغم خسارة ابني، فما هو جهادك؟»، وأخرى سياسية «جهادي هو من أجل الحرية والسلام في سوريا»...
أحد الملصقات يصوّر امرأة محجّبة تعانق أخرى تضع صليباً الى جانب شابين أحدهما يلبس قميصاً مكتوباً عليه باللغة العبرية، فيما الجملة التسويقية تقول: «جهادي أن أبني صداقات من جانبي الممشى».
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تطلب الحملة من المواطنين مشاركة الآخرين في «جهادهم»، على طريقة الجمل القصيرة التي تظهر على الملصقات الاعلانية.
أحد المسؤولين في «مجلس العلاقات الاميركية ــ الإسلامية» شرح لعدد من الصحف الأميركية أنّ «كلمة جهاد اختطفتها مجموعة من الناس يعملون على نشر معاداة الإسلام في البلاد... وهذا ما دفعنا إلى شرح المعنى الحقيقي لتلك الكلمة كما يعتنقه معظم المسلمين». وتسعى الحملة ـــ كما تبيّن على موقعها الالكتروني ــ إلى الاشارة الدائمة إلى أنّ «الجهاد في سبيل الله هو جهاد النفس ومواجهة صعوبات الحياة بطريقة قريبة من الله أي بطريقة حسنة».



لكن «مبادرة الدفاع عن الحرية الاميركية»، وهي منظمة موالية لإسرائيل، سارعت الى «احتواء» الحملة. وها هي تصمم ملصقات مطابقة لإعلانات حملة «جهادي» بالشكل والألوان والخط، مع صور لتفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ولزعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن. والشعار المضاد يأتي على لسان بن لادن قائلاً: «كل ما ندعوكم اليه هو الإسلام. هذا جهادي، ما هو جهادك؟». مسؤولو هذه الحملة، يقولون على موقعهم الالكتروني إنّ هدفهم «محاربة البروباغندا والتضليل اللذين يمارسهما الإسلاميون القادرون ومجموعات الاخوان المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة». هؤلاء تمكنوا أيضاً من الحصول على عنوان الكتروني مشابه لعنوان حملة «جهادي»، ويسوّقون لها على مواقع التواصل الالكتروني.