زار محمود أحمدي نجاد لبنان حليفاً للحزب الكبير فيه، ورئيساً لدولة نووية تحارب العالم بأيديولوجيا صلبة. هذا صحيح. لكنّه في فنزويلا، ذهب يودّع صديقاً، فجثا على نعشه وبكى. واستكمالاً لحزنه، عانق والدة هوغو تشافيز واستسلم للحظة الإنسانيّة الخالصة.
بدا لافتاً أنّ كثيرين من خصوم الرجل استطاعوا أن يفصلوا بين «نجاد النووي» ونجاد الإنسان. تشاركوا هذه الصورة على صفحاتهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي. منهم من أفرد مساحةً للخير، فعلّق بودّ على المشهد، واضعاً الصورة في إطارها البصري البديهي: الصديق الذي يواسي الوالدة. هذا نوستالجي، لكنه حقيقي. إنها صورة لا تحتمل الالتباس. ومن الخصوم أيضاً، مَن شارك الصورة رافضاً التعليق على صورة الرئيس الذي تسعى أميركا إلى أبلسته، وهو بدوره، لم يعر اهتماماً لهذه الصورة البالغة الرسوخ، فاسترسل غير مرةٍ في خطابات تساير عقيدته ولا تلتفت إلى القيم الحداثويّة التي أرستها الحضارة الغربيّة. صمت الخصوم عن التعليق السلبي، يدل على ماهيّة الصدق الذي اكتنفته الصورة. كان يفترض أن يعمم الإيرانيّون صورة نجاد الابن معانقاً إيلينا فرياس الأم، ومربّتاً كتفها.
لكنّ العارف بشؤون المحافظين فوق العادة في إيران، يعرف جيداً أنّ الاعتراض كان سيأتي من هذه الجهة المتزمتة في الشريعة. تعليقات أوساط المتشددين من هؤلاء في إيران كانت قاسية كالعادة. خرج هؤلاء لتحميل نجاد وزر العاطفة. قالوا إنه خدش التعاليم التي لا تبيح اللمس بين الرجل والمرأة. وفي الحالة المقصودة، فالرجل هو رئيس دولة والمرأة والدة الرئيس الراحل والصديق. للإنصاف، فإنّ التيار (اللبناني) المتعطش لتلطيف الصورة الشموليّة للنظام الإيراني لم يصدّق نفسه هذه الصورة. راح يعممها فرحاً باللحظة العاديّة، ثم ظهرت أصوات لبنانيّة، تزايد على المحافظين الإيرانيين بشعاراتٍ راديكاليّة سمجة، بل نُشرت صورة سخيفة حيث نزعت الوالدة الثكلى، وأضيف محمد البرادعي بدلاً منها. في مثل هذا العمل سذاجة لا تحتمل، بمعزل عن التحوير المخجل، الذي هو كذب، وتالياً هو «حرام في الإسلام»! لماذا سيبكي أحمدي نجاد معانقاً البرادعي؟ من سيصدق هذا الهراء؟ حسناً، لدينا من صدقه. فإذا استثنينا جماعة الإصلاح وأنصار النزعة الحداثويّة في الحزب الحليف لإيران والمرتبط بمرشدها دينيّاً، فإن أزمة العقل تتجاوز مسألة البحث في تزوير صورة التقطتها وكالات أبناء عالميّة، كرويترز ووكالة الصحافة الفرنسيّة. نتحدث هنا عن عقل مضاد لهذه الفئة، يرفض اللمس، وينبذ الغريزة البشريّة إذا تعارضت مع النص المقدّس، فلا يوفر جهداً لنصرة الأخير وتعمية العقل.
بلا أي شك، اصطاد المصورون اللقطة، ولم يكن ذلك على غفلة من نجاد. لكنهم بدورهم، لم يعرفوا أن «سلفيّي حزب الله» المتسلحين بالفوتوشوب، سيزجون في الصورة البرادعي بدلاً من إيلينا، ويعلنونها حرباً على الرئيس الذي تأثر، فزلّت قدمه عن بساط الشريعة المذهّب. طبعاً، إيلينا المفجوعة بأمومتها، لم تسمع شيئاً من هذا. صحيح أنّ الفنزويليين يقيمون للكنيسة وزناً، لكن على ما يبدو، فإن محافظي إيران يخشون التنوير من الأساس، ويرفضون العقلانيّة حتى بمنحاها البصري!