تستعدّ مؤسسة «دبي للإعلام» لدخول عهد جديد، قد يعيدها إلى المشهد الإعلامي بعدما خفّ وهجها أخيراً بشكل تدريجي أو قد يزيد من عمق الشرخ مع الجمهور العربي. الأكيد أنّ المؤسّسة بقنواتها «دبي» و«سما دبي» و«نور دبي»، تشهد في الأيّام المقبلة تغييراً يهدف أساساً إلى وضع حدّ للهدر والتكاليف المالية المبالغ فيها، ما سينعكس طبعاً على برمجتها ولو بشكل متفاوت بين القناة الرئيسيّة (أي قناة دبي)، التي تخاطب الجمهور العربي أو «سما دبي» الموجهة إلى الجمهور الإماراتي، ثم «نور دبي» المتخصصة أكثر في الشأن الإماراتي وتغطّي نشاطات الإمارات السبع عبر برامجها الحواريّة والتراثيّة.
ورغم أن أياماً قليلة تفصلنا عن الانطلاقة الجديدة للمؤسّسة، (يفترض أنها حدّدت موعدها أول سبت من شهر آذار/ مارس) المقبل)، إلا أنّه لم يصدر بعد أيّ بيان رسمي عن المحطة. وحتى ولو طلبت معلومات عن المتغيّرات، فلا حياة لمن تنادي. الإجابة الرسميّة تأتيك متأخرة جداً، وهي أن «لا جديد حتى الآن»، علماً بأن المتابعين للمؤسسة يعوّلون كثيراً على أداء المدير الجديد لقناة «دبي» أحمد المنصوري الذي تولى منصبه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وقرّر إعادة هيكلة القنوات. فقد أقدم محمد بن راشد آل مكتوم على تغييرات وصفت بالجوهرية في سلّم قيادات الإعلام في الإمارة، وسلّم بمقتضاه المنصوري الإدارة العامة لقنوات مؤسسة «دبي للإعلام»، بعدما كان سابقاً مديراً لقناة «سما دبي» فقط.
يكشف مصدر متابع لشؤون المؤسسة أنّ المدير العام السابق للمؤسسة أحمد الشيخ، أراد أن يعزّز حضور الشاشة بوجوه معروفة، فاستقدم إعلاميين بعقود مالية ضخمة. لكن تلك العقود بدت أكبر بكثير مما قدّمه هؤلاء للقناة، ما أحدث فجوة مع الموظفين الآخرين. ويأخذ القائمون الجدد على المؤسّسة غياب العنصر الإماراتي عنها. هذه أكثر ملاحظة تبدو واضحة عند مراجعة شبكات البرامج على امتداد السنوات الماضية. فقد تعاملت المحطة مع إعلاميين من مختلف الدول العربية، لكنهم لم يلبثوا أن أنهوا تعاقدهم من دون أسباب واضحة، ومن هؤلاء هاني نقشبندي الذي قدّم برنامج «حوار هاني»، والممثلة ميساء المغربي التي أطلت في برنامج «موعد في الخيران» وسواهم. أما نشوة الرويني التي قدّمت برنامج «نشوة»، وأسست شركة إنتاج خاصة هي «بيراميديا»، فكانت من الأسماء القليلة التي لم تتخلّ عنها المحطة. كادت الإعلامية المصرية الحاصلة على الجنسية الإماراتية أن تترك العمل الإعلامي، لكنها عدلت عن فكرتها بعدما تلقت عرضاً مغرياً من المدير السابق لقناة «دبي» علي الرميثي كناية عن تقديم برنامج برؤيتها الخاصة، فانضمت إلى عائلة المحطة ثم حالت انشغالاتها دون استكمال برامجها. لكن السؤال المطروح هنا يتعلّق بالمعيار الذي يتم فيه التعاقد مع البعض دون الآخر. وإذا بالجواب أنّ المحسوبيات هي التي تتحكم بعقلية الإدارات السابقة. الوضع مختلف بالنسبة إلى الإعلامي المصري حمدي قنديل. صاحب «قلم رصاص» الواضح في مواقفه، جاء غيابه عن المحطة عام 2009 بعدما أعطى رأيه بالأوضاع في المنطقة، مدافعاً عن المقاومة اللبنانية وحسن نصر الله ومهاجماً شيخ الأزهر على خلفية مصافحته شيمون بيريز، فتخلّت «دبي» عنه بدعوى الابتعاد عن النأي عن المواقف السياسية.
وعلى مستوى الدراما، دخلت قناة «دبي» أجواء التركي متأخرة، لكنها لاحظت أنّ هذه الأعمال تجد إقبالاً عليها، ومردود إعلانات الجزء الأول من «حريم السلطان» وحده كان ضخماً وحقق نسبة مشاهدة توازي نسبة مشاهدة كل البرامج على مدار السنة. ورغم أنّ المحطة تأخرت في دخول هذا المجال ظنّاً منها أنها مجرد موجة وستنتهي، كما انتهت قبلها موجة المكسكي، شعرت بأهميتها لاحقاً، طالما أنّ «الجمهور عايز كده».
في النهاية، يبدو المشهد كالآتي: كل مدير يعيّن على رأس قنوات المؤسسة وخصوصاً قناة «دبي»، كان يأتي بجماعته. وكلما تبدّلت الكراسي، تبدّلت معها وجوه الشاشة، وبذلك لم تستطع المحطة المحافظة على النجوميّة التي حققها الإعلاميون عند انطلاقتهم الأولى، ولا حتى المحافظة على هؤلاء الإعلاميين الذين ظهروا عبرها، ثم غادروا بعد فترة. ولعل الفوج الأخير من الإعلاميين الباقين حتى الآن، وقد ينهي بعضهم مرحلة تعاقده مع القناة هم زينة يازجي صاحبة برنامج «الشارع العربي» التي ترافق دخولها المحطة في نهاية عام 2011 مع احتفالية وحملة إعلانيّة كبيرة. لكن مع التغييرات الإدارية، لم تعد مكانة الإعلاميّة السوريّة كما كانت عند وصولها من قناة «العربيّة». ومثلها زينة صوفان مقدمة برنامج «خارطة المال». أما مايا حجيج فستكون ضمن التغييرات التي ستطرأ على مقدّمي البرنامج الصباحي الجديد، حيث تم دمج البرنامجين الصباحيين في عمل واحد. وستعود بعض البرامج في حلقات جديدة، منها «سوالفنا حلوة» مع مريم أمين. ويبدو أنّ المحطة ستعزّز الحضور الإماراتي على الشاشة، وخصوصاً أنّ كادر الموظفين من أبناء البلد موجود أساساً، لكنهم لا يأخذون فرصتهم الفعليّة، علماً بأن الموظفين الإماراتيين يتعذّّّر صرفهم من وظائفهم إلا بعد فضيحة كبرى، لأن الأولوية في دبي هي للمواطن الإماراتي المرفَّه. ويأخذ مصدر صحافي متابع لأوضاع القناة، أن مشكلة المحطة هي أن الإعلامي فيها لا يمرّ في مرحلة تقويم، فإذا ببعض الإعلاميين يظهرون على الهواء وهم غير صالحين لهذا الأمر أساساً.