«تمخّض الجبل فولد فأراً»، بهذه المقولة يمكن توصيف احتفال «الجديد» أول من أمس بأوّل عرس مدني يُقام على الأراضي اللبنانية بين نضال درويش وخلود سكرية. احتفالية تصدّرت العناوين الرئيسة لنشرة أخبارها المسائية واستُكملت في برنامج «للنشر» (كل سبت 20:40) لكنها ما لبثت أن خفتت أضواؤها عندما أكمل البرنامج فقراته من داخل الاستديو وأطلّ على الحفل بين الحين والآخر.
بعد نهار حافل شهد إعلاناً مكثّفاً للبرنامج على صفحات التواصل الاجتماعي قبل عرض الحلقة عبر العدّ العكسي للساعات التي تفصل عن الحدث، استهل طوني خليفة حلقته بالكلام عن الثنائي الذي «لم يسع يوماً للشهرة والنبش في الثغر القانونية ليحقق ما سعى لأجله». أكّد الاعلامي أنّ «الجديد» كانت من أوّل الداعمين للتحرّكات المدنية في لبنان، وأخذت على عاتقها تتويج هذه الخطوة عبر إقامة زفاف لهما. واعتبر أن تلك الخطوة تأتي بعد 30 عاماً اختلطت فيها السياسة بالدين، وكانت ذات أثر سلبي في الوضع في لبنان، مؤكداً أن الحلقة لا تشكّل أيّ «تحدّ لأيّ من المراجع الدينية بل هي حرية شخصية وحق من حقوق المواطن». كلام استُتبع بتقرير عن التحضيرات للزفاف حيث عُرض جزء منه في نشرة الاخبار المسائية. على وقع أغنية «حبّ يساري» لزياد الرحباني التي لا يشبه مضمونها بتاتاً ما بثته الصور من إبهار وثراء، عرضت الشركات التي نظّمت الحفل من تنسيق للزهور وتصميم ثوب الزفاف والزفة. صور تشبه الى حد بعيد ما تعرضه الشاشات من برامج تساعد العروسين في تنظيم زفافهما وإعلانات الشركات.
الزفاف الذي أُريد له أن يكون مميّزاً حوّله «للنشر» احتفالاً عادياً. بعدما أكمل فقراته كالمعتاد بالإضاءة على مواضيع اجتماعية من داخل الاستديو، بدأ الانتقال الى الحفل الذي أقيم في أعرق فنادق العاصمة، كمن ينتقل لأخذ استراحة اعلانية. تخلل الزفاف مداخلة للثنائي خرقها سؤال وجّهه خليفة لهما باعتباره ضمن الرسائل الواردة الى البرنامج، لكن ما لبث أن اتّضح أن مصدره هو الشيخ المستضاف في إحدى فقرات «للنشر». السؤال كان عما إذا كان العروسان ينتميان الى الطائفة عينها. وفي حال ذلك، فما نفع هذا الزواج المدني؟ أم هو فقط لتحصيل المزيد من الشهرة؟ جاءت اجابة الثنائي مقتضبة بأن قضيتهما تتخطى حدود شخصهما، مؤكّدين أنّ الايمان فعل شخصي بحت. سؤال خليفة تبعه استفسار آخر حول سبب ترك شقيقة خلود عملها، ليتضح أنّها استقالت لأنّ مديرها معارض للزواج المدني. وهنا أعلن خليفة أن أبواب « الجديد» مفتوحة أمام شقيقة خلود ناسباً المعلومة لرئيس مجلس إدارة المحطة تحسين خياط.
خفوت نجم الزفاف لم يقع فقط في خانة التعامل معه كحدث عادي والترويج له اعلانياً بأنه سيكون أسطورة، بل إنّ مجرد عرضه ضمن برنامج خليفة بحد ذاته مثير للاستغراب إن لم يكن السخرية. خليفة الذي رأيناه مدافعاً شرساً عن الرقابة على الفنّ وداعية «العفة»، ومحرّضاً رجال الدين المسيحيين لمنع فيلم «أسوة بما يفعله رجال الدين الآخرون»، كيف يريدنا أن نصدّق الآن أنّه صار نصير الحقوق الفردية والدولة المدنية؟ هو الذي صار يرمز إلى كل ما هو ضدّ الدولة المدنية! المضحك أنّه في نهاية الحلقة، حوّل خليفة البرنامج منبراً يروّج له، معلناً أنه تعرّض لهجوم من «فانز» اليسا بعدما انتقدها على تويتر، محمّلاً النجمة المسؤولية في حال حصول أي مكروه له. هكذا ختم «للنشر»، ناسياً المناسبة وخسرت «الجديد» مراهنتها على جعل الزفاف تاريخياً كما وصفته.