إنّه الموعد السنوي مرة أخرى. ليلة غد الأحد، ينطلق حفل «أكاديمية العلوم والفنون الأميركية» في سنته الـ 85 للاحتفاء بأفضل ما أنتج في السينما الأميركية لعام 2012. السجادة الحمراء المؤدية إلى مسرح «دولبي» في هوليوود تنتظر نجوم العالم. التماثيل الذهبية مغرية، ولا شيء أكثر إبهاراً من حفل الأوسكار. رغم المنافسة الحادة بين المهرجانات العالمية في استقطاب أفضل الأعمال، يبقى الأوسكار الأكثر جذباً. لا تهم جودة الأفلام المختارة ولا الترشيحات الأخرى، الأوسكار هو الأوسكار، ولمَ لا؟ فالنجوم كلهم هنا، والكاميرات في انتظارهم.
هو مهرجان واحتفال فعلاً. بذخ وأزياء وإنفاق حتى على المرشحين الخاسرين. كم من الأموال أُنفقت على الحفل الضخم، لكنّها لا توازي شيئاً أمام المليارات التي صرفت على أفلام، أمل صنّاعها أن تطأ عتبة الأوسكار. في الحفل الذي يقدّمه متعدد المواهب سيث ماكفرلين، يبدو التنافس هذه السنة مثيراً من خلال الأفلام التسعة المرشحة لنيل جائزة أفضل فيلم. السياسة حاضرة بقوة (راجع المقال في مكان آخر من الصفحة)، إلى جانب أعمال درامية اجتماعية أخرى. وغداً ستكون المنافسة حادة بين فيلمين أساسيين على قائمة الأكاديمية الشهيرة. الأول «أرغو» يصوّر أميركا بصفتها البطل الخارق الذي يتغلّب على قوى الشرّ (افهموا ايران الثورة الإسلامية) والثاني «لينكولن» يستعيد الأسطورة الانسانوية لقوة استعمارية (بيضاء) تريد أن تتذكّر لحظة تحرير العبيد. وهناك خيارات أخرى في دائرة الضوء، لا تحيد عن الفلسفة الهوليوودية عينها: أميركا وحدها ضد قوى الشرّ جمعاء مثل Zero Dark Thirty لكاثرين بيغلو. إذاً، فيلم ستيفن سبيلبرغ «لينكولن» يتربّع على القوائم بـ 12 ترشيحاً، يليه «حياة باي» لأنغ لي (11 ترشيحاً)، و«البؤساء» لتوم هوبر (8 ترشيحات). و«أرغو» لبن أفليك (7 ترشيحات)، وخمسة لفيلم مايكل هانيكي «حب». إذا استندنا إلى هذه الأرقام، قد يكون «لينكولن» الأوفر حظاً لنيل العدد الأكبر من الجوائز، مدعوماً بأسمائه الكبيرة. يتطلّع سبيلبرغ بالتأكيد إلى تمثال جديد يضيفه إلى رصيده السابق، وهناك الممثل دانيال دي لويس الذي نال الجائزة سابقاً عن «سيسيل دم كثير» (2007)، وقد يتطلع أيضاً إلى نيل جائزة بعد الفشل النقدي الذي واجه فيلم «تسعة» قبل ثلاثة أعوام. السيناريو الذي كتبه توني كوشنير، يروي الأشهر الأخيرة في حياة الرئيس الأميركي أثناء محاولته إقرار التعديل الثالث عشر للدستور وإلغاء العبودية. سياسياً، يتنافس الفيلم مع «أرغو» لبن أفليك الذي يحكي قصة تهريب الدبلوماسيين الأميركيين خارج إيران أثناء الثورة الإسلامية، وZero Dark Thirty لكاثرين بيغلو التي لم تحصل على ترشيح أفضل إخراج بعدما فازت بهذه الجائزة عن فيلمها السابق The Hurt Locker. رغم الضجة التي رافقت الفيلم، إلا أنّه مرشّح أيضاً لجائزة أفضل سيناريو أصلي، وأفضل ممثلة لجيسيكا تشاستين. أيضاً، يقف «دجانغو الطليق» لكوينتن تارانتينو أمام 5 ترشيحات، من بينها أفضل فيلم وأفضل ممثل مساعد لكريستوف والتز من دون ترشح تارانتينو لجائزة أفضل مخرج التي لم ينلها قبلاً ولم يترشح لها إلا مرة واحدة عام 1994 عن «بالب فيكشن». اقتباساً من الرواية، يأتي كل من «حياة باي» عن رواية يان مارتيل، و«البؤساء» عن رواية فيكتور هوغو. الإبهار البصري متوافر في الفيلمين، لكن ترشيحات الجوائز التقنية تصب في مصلحة الأول الذي يغيب عن قوائم ترشيحات التمثيل، بينما نجد في الثاني هيو جاكمان ينتظر أوسكاره الأول كأفضل ممثل في دور رئيسي، وآن هاثاوي تنتظر تمثالها الأول بعد ترشيحها سابقاً عن دورها كممثلة رئيسية في «ريتشيل تتزوج» عام 2008. من ناحية أخرى، يأتي «حب» للمعلّم النمسوي مايكل هانيكي المرشح لأفضل فيلم، بالإضافة إلى ترشح الفرنسية المخضرمة إيمانويل ريفا عن دورها الرئيسي في الفيلم، وهو أول ترشح لها أيضاً. هناك أيضاً ثمانية ترشيحات قوية لكوميديا المخرج الأميركي ديفيد أو راسل Silver Lining Playbook، من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج، وأفضل ممثل رئيسي لبرادلي كوبر، وأفضل ممثل مساعد لروبرت دي نيرو، وهو ثاني ترشيح له عن هذه الفئة مذ نالها عن دوره في «العراب 2». وأخيراً، هناك «وحوش البر الجنوبي» العمل الأول لبن زيتلين الذي يجد نفسه للمرة الأولى على قائمة ترشيحات أفضل مخرج، بالإضافة إلى ترشح بطلة الفيلم الطفلة Quvenzhané Wallis لجائزة أفضل ممثلة بدور رئيسي. بعيداً عن الأفلام الرئيسية، نجد أنّ شريط بول توماس أندرسون «المعلم» نال ثلاثة ترشيحات عن فئة التمثيل فقط، حيث خواكين فينيكس عن دوره الرئيسي، وفيليب سيمور هوفمان عن دوره المساعد، بالإضافة إلى إيمي أدامز في رابع ترشيح لها كممثلة في دور مساعد. دنزيل واشنطن على القائمة عن دوره الرئيسي في «رحلة»، ونجد نعومي واتس مترشحة عن دورها المساعد في الفيلم الإسباني «المستحيل».
وفي ما يتعلّق بالأفلام التسجيلية، نجد مواضيع جدلية عدة. هناك «خمس كاميرات محطّمة» (راجع المقال أدناه)، و«البحث عن شوغر مان» للسويدي المغربي الأصل مالك بن جلول الذي يقتفي فيه أثر الموسيقي الأميركي رودريغيز. هناك فيلم لمخرج إسرائيلي على اللائحة نفسها، هو «حراس البوابة» الذي يقدم شهادات 6 رؤساء سابقين للشاباك. على القائمة أيضاً «الحرب الخفية» لكيربي ديك وإيمي زيرينغ الذي يبحث في قضايا الاغتصاب داخل الجيش الأميركي. يمكن التكهن بمصير الترشيحات إذا اعتمدنا الجوائز الممهّدة للأوسكار مثل «الغولدن غلوب»، لكن التوقعات ليست صائبة دوماً. بعيداً عن مظاهر الاحتفال والأضواء التي تملأ هوليوود، لا مفر من التساؤل عن مدى فائدة الأوسكار لقيمة الفيلم. الإجابة شائكة بين مناصري الفيلم كفنّ فقط، والفيلم كرسالة. السينما لغة صورية، ولهوليوود لغتها ومنطقها، وكما ذكر مرة المخرج المكسيكي آرتورو ريبستين، فإنّ خطورتها تكمن في أنّها أقنعت الناس بأنّها السينما الوحيدة.
http://oscar.go.com

أين بن أفليك؟

السباق على جائزة أفضل مخرج هذا العام يبدو قوياً. النمسوي مايكل هانيكي ينافس أربعة مخرجين أميركيين، بينهم الشاب بن زيتلين ذو الثلاثين عاماً، والمخضرم ستيفن سبيلبرغ صاحب الترشيحات السبعة.
ورغم فوز بن أفليك ببضع جوائز مهمة لإخراجه «أرغو» (الصورة)، إلا أنّه يغيب عن سباق الأوسكار في هذه الفئة.
تنوّع المرشّحين يضفي الإثارة إذاً على ثاني أهم جوائز
الأكاديمية.


مايكل هانيكي


المعلم النمسوي مايكل هانيكي (1942) يخطف الجوائز أينما حلّ في السنوات الأخيرة. لكن هذه السنة، هو مرشّح لجائزتي أوسكار للمرة الأولى في مسيرته، بالإضافة إلى ترشيحه لجائزة أفضل مخرج عن «حبّ» (الصورة)، هو مرشح أيضاً لجائزة أفضل سيناريو أصلي، عدا ترشّح شريطه لجائزتي أفضل فيلم وأفضل فيلم أجنبي اللغة. بعد الاحتفاء الذي لقيه شريطه الدرامي في المهرجانات، لا يبدو ترشيح فيلمه لخمسة أوسكارات حدثاً هاماً أمام معرفة ما إذا كانت الدراما الأوروبية قادرة على المنافسة أمام إثارة هوليوود وأضوائها.




بن زيتلين

المخرج الشاب بن زيتلين (1982) مرشح لأوسكار أفضل مخرج عن شريطه الروائي الأول «وحوش البرّ الجنوبي» (الصورة)، وأوسكار آخر مشترك مع لوسي اليبار لأفضل سيناريو مقتبس على
الشاشة.
بعد فوزه بكاميرا «كان» الذهبية، يجد المخرج والمؤلف الموسيقي نفسه الآن على السجادة الحمراء مع فيلمه المستقل الفانتازي ذي طاقم العمل المتواضع، علماً بأنّ حبكة الشريط تدور في مجتمع معزول.





أنغ لي

ليس المخرج الأميركي التايواني الأصل أنغ لي بجديد على تماثيل الأوسكار. ترشح للجائزة مرتين من قبل، ونالها سابقاً عن فيلمه «بروكباك ماونتين» في سابقة أولى بالنسبة إلى مخرج آسيوي الأصل ينال الجائزة. لن يبدو مستغرباً إذاً فوزه الجديد عن إخراجه فيلم «حياة باي» (الصورة)، وإن جاء على حساب فوز الفيلم نفسه مع التنافس القوي الذي يخوضه. يوظف لي خبرته في إخراج رواية يان مارتيل الشهيرة إلى السينما، مثبتاً قدرته المستمرة على جذب الجمهور.





ستيفن سبيلبرغ

ستيفن سبيلبرغ مرشح للأوسكار. ومن توقع غير ذلك؟ مع سبعة ترشيحات سابقة ونيله الجائزة مرتين من قبل، تبدو حظوظ فتى هوليوود المدلل كبيرة، وخصوصاً مع عمله التاريخي الأخير «لينكولن» (الصورة) الذي يحظى بحفاوة نقدية مميزة. حظوظ صاحب «قائمة شندلر» كبيرة هذه السنة، لكنّه يواجه تحدياً آخر مع فوز فيلمه نفسه بجائزة أفضل عمل، وخصوصاً أنّه يخوض منافسة شرسة مع Zero Dark Thirty لكاثرين
بيغلو.





ديفيد أو. راسل


بعدما نال فيلم «المقاتل» جائزتي أوسكار وترشّح ديفيد أو. راسل لجائزة أفضل مخرج عن هذا الشريط قبل عامين، يعود المخرج والكاتب الأميركي هذه السنة بعمله الجديد Silver Lining Playbook (الصورة) الذي استقبل بتفاوت نقدي خارج هوليوود. الفنان الجدلي المعروف بفكاهيته الغريبة، مرشح لجائزة أفضل إخراج، إلى جانب ترشّح فيلمه الكوميدي الرومانسي لأفضل عمل. قد يبدو مثيراً نيله الجائزة في ظل المنافسة مع سبيلبرغ وآنج
لي.