المؤلف الموسيقي وعازف الكلارينت الفرنسي ميشال بورتال في لبنان لتقديم أمسية في «ميوزكهول» بدعوة من «ليبان جاز». بعد رعيل المخضرمين، من لويس سكلافيس (1953) إلى هنري تكسييه (1945) اللذين زارانا مراراً، ها هو أحد العمداء أو أحد رموز رعيل الجاز الأوّل في فرنسا يأتي إلى لبنان. بورتال شخصية جيِّدة نسبة إلى كبار رموز الجاز، وممتازة نسبة إلى ثُغر البرمجة عند «ليبان جاز»، الذي أتى في السابق بفنانين كثيرين لإحياء أمسيات جاز، لكنّها لم تكن كذلك.
قبل بورتال (1935)، زارنا من هذا الجيل في السنوات الأخيرة ميشال لو غران (1932) وجاك لوسييه (1934)... ومساء الأحد، يقدّم بورتال حفلة برفقة الرباعي الذي يحمل اسمه. حدثٌ استثنائي في زمن باتت فيه اللحظات الموسيقية الجميلة أو حتى المقبولة محصورة بالحفلات الحية المستوردة. ثمة ملاحظة مهمّة تخصّ موسيقيي الجاز وميشال بورتال من بينهم. كثيرون منهم ــ عُرفوا بذلك أم لم يُعرفوا ــ انطلقوا من الموسيقى الكلاسيكية. بعضهم تلقن أصولها ثم انتقل إلى الجاز. بعضهم أتقنها ولم يعزفها مكرساً مسيرته للجاز، وقلة منهم زاوجت النمطيْن، ولو كان للجاز النصيب الأكبر في اهتمامهم دوماً. في أوروبا، مهد الموسيقى الكلاسيكية، هذا رائج أكثر من أي مكان آخر في العالم، وذو أشكال عدة. مثلاً، حوّل جاك لوسييه مقطوعات كلاسيكية (وخصوصاً باخ) إلى الجاز. ميشال بورتال هو ممن أتقنوا النمطين على نحو مستقل إلى حد ما. أصدر أسطوانات كلاسيكية بحتة. في كونشرتو الكلارينت لموزار، تولى بورتال العزف الصولو. وهذا ليس عابراً. فقد عرضت منذ مدة محطة arte وثائقياً يشرح/يشرِّح فيه الموسيقي الفرنسي هذه التحفة التي تعدّ الكتاب المقدّس لكل عازفي الكلارينت في العالم. في هذا السياق أيضاً، لبورتال عدة تسجيلات كلاسيكية، ليوهانِّس برامز مثلاً، أو لبعض رموز الموسيقى الكلاسيكية الفرنسية في القرن العشرين مثل فرنسيس بولانك وبيار بوليز.
في الجاز، قدّم بورتال مساهمة أكبر. هو إجمالاً من أنصار الجاز الأوروبي الحديث، تأليفاً وعزفاً أو مشاركةً في تنفيذ مشاريع زملائه. هذا لم يمنعه من خوض غمار موسيقية أخرى، وبالأخص التانغو الذي يعشقه (تعاونه مع ريشار غاليانو). ببساطة براعته في العزف على آلاته (الكلارينت للكلاسيك عموماً والكلارينت باص للجاز خصوصاً وأحياناً الساكسوفون أو حتى الباندونيون) فتحت له الآفاق لمقاربة أي نمط موسيقى أو أسلوب عزف يروقه، من الرصين (موسيقى كلاسيكية) إلى الارتجال الحرّ. حتى يمكن تلقيبه بـ «بيني غودمان» فرنسا. في بلده أقله، لا أحد يضاهيه في الإمكانات التقنية على آلته الأولى الكلارينت. أمّا رصيده الأكبر، فهو في مجال الموسيقى التصويرية (سينما وتلفزيون) الذي أعطى فيه الكثير منذ الستينيات. وللمناسبة، فقد كتب عام 1991 موسيقى «شاشات الرمل» (Ecrans de Sable) الفيلم الروائي الأول للمخرجة اللبنانية الراحلة رندة الشهّال (1953 ــ 2008).
آخر ألبوماته Baïlador يعود إلى 2010، وهو الذي سيكوّن ـ على الأرجح ـ الجزء الأكبر من برنامج أمسيته في بيروت. يحوي العمل ثماني مقطوعات من تأليف بورتال، تعاون لتنفيذها مع مجموعة موسيقيين أبرزهم عازف البيانو الصربي الأصل بويان ذ. (زار لبنان منذ سنوات) وعازف الدرامز الكبير جاك دوجونيت. منذ صدور جديده، بدأ بورتال جولة حفلات لترويجه. مروره في بيروت يعدّ محطة في هذه الرحلة، التي قد تكون الأخيرة لرجل شارف على سنينه الثمانين.

حفلة ميشال بورتال: 9:00 مساء الأحد 24 شباط (فبراير) ـــ «ميوزكهول» (ستاركو، بيروت) ــ للاستعلام: 01/999666



عاشق التنقّل

في مقابلة أجرتها معه الـ Agenda Culturel، تحدث ميشال بورتال عن مسألة انتقاله من الكلاسيك إلى الجاز، قائلاً: «أذهب وأعود دوماً. أتنقّل دوماً بين الأنواع والأنماط، فهذا يحفز الالهام. ثم إنّ اللقاءات التي أجريها مع شركائي تلعب دوراً في ذلك. فالأمور تتغيّر عند لقاء بيار بوليز، وجاكي تيراسون، جاك دوجونيت أو ريتشارد غاليانو». أما ما الذي يفضّله بين الساكسوفون، والكلارينت، والباندونيون، فيجيب: «أحبّ كل هذه الآلات بشغف. إنّ اختيار الآلة أمر يُفرض عليّ، وليس العكس أبداً. وأحبّ التنقّل في ما بينها لاكتشاف عوالم جديدة».