وحدهم من يتقنون لعبة ورق «الشدّة»، يعلمون جيداً أن الـ«ريّ» (الملك) الذي يأكل جميع الأوراق. بالأمس، تحوّل الملك في تلك اللعبة إلى كاريكاتور، واستبدل رسمه بصورة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وهو مبتسم حاملاً سيفاً ملطّخاً بالدماء. الرسم عُلّق على جسر جل الديب، ونشر أيضاً في منطقة الفنار. عبر هذا الكاريكاتور، ضخّ أصحابه جرعة من عصبيّتهم بعدما تلقوّا جرعة على شاكلتها قبل أسبوع، حين نشرت صحيفة «الوطن» السعودية (الأخبار 13/2/2013) كاريكاتوراً أنجزه الأردني جهاد عورتاني (1977) وجسّد فيه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي وقد تحوّلت قبّعته إلى صاروخ، وكُتب فوق الرسم «بشار الراعي» في إشارة إلى زيارة الأخيرة لسوريا. وبعد ساعات على انتشار الخبر، كلّف النائب العام التمييزي القاضي حاتم ماضي قسم المباحث الجنائية المركزية إجراء التحقيقات لمعرفة ناشري الرسمة، للوقوف على الناحية القانونية. يلفت محامي مؤسسة «مهارات» طوني مخايل الخبير في قضايا الإعلام وجرائم النشر، إلى أنّ حاتم ماضي طلب تسطير استنابة قضائية لتحديد هوية الفاعل، مستنداً إلى أحكام قانون العقوبات، لكن من دون وجود شكوى من الفريق المتضرر (المملكة)، ما يعني عدم وجود قضية قانونية.
لكنّ المحامي يوضح أنّه إذا «أدّت الرسمة إلى تعكير علاقة البلدين أو عرّضت اللبنانيين لأعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم، فقد يؤثر ذلك في توصيف الجرم. وإذا ردّت السعودية على الرسمة عبر تحرّك قانوني، يمكن اعتبار الفعل جناية، فتتحرك النيابة العامة تلقائياً. إما اذا بقي رد فعل المملكة ضمن الإطار العادي للأمور، فيكون الفعل جنحة القدح برئيس دولة أجنبية ولا يمكن الملاحقة أو إنزال أي عقوبة من دون شكوى الفريق المتضرر، شرط أن تتضمّن القوانين السعودية أحكاماً مماثلة بمعاقبة من يسيء إلى رؤساء الدول الأجنبية». في المحصلة، يبدو أنّ الجهة التي علّقت الكاريكاتور، تعلم القانون اللبناني، لأنّها أقدمت على نشر تلك الصورة في مكان عام، لا عبر وسائل إعلام قد تحاكم في هذه الحالة (راجع الكادر)، وهي تعلم أيضاً أنّ تحريك النيابة العامة أيّ شكوى ضدّها يرتبط بردّ فعل الفريق الآخر. في كل الأحوال، يبدو أننا نعيش زمن العصبيات على كل الجبهات، وليست «حروب الكاريكاتور» إلا مثالاً بسيطاً. لكن هل يبرّر ذلك تضييق هامش حرية التعبير؟



المادة 23

يلفت طوني مخايل إلى أنّ المادة 23 (معدلة وفقاً للقانون 330 تاريخ 18/5/1994) تنصّ على أنه في حال تعرُّض إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يُعَدّ مسّاً بكرامته، أو نشرت ما يتضمن ذماً أو قدحاً أو تحقيراً بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية، ترفع دعوى حق عام من دون شكوى المتضرر. ويحق للنائب العام الاستئنافي أن يصادر أعداد المطبوعة ويحيلها على القضاء المختص. وقد تراوح العقوبة بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من خمسين مليون إلى مئة مليون ليرة لبنانية أو بإحدى هاتين العقوبتين. ولا يجوز في أي حال أن تقل عقوبة الحبس عن شهر واحد وبالغرامة عن حدها الأدنى.