حين نشرت جريدة «الوطن» السعوديّة قبل أيّام (١٢ فبراير ٢٠١٣)، رسماً كاريكاتوريّاً للأب بشارة الراعي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق، ينتقد زيارته السورية، قامت الدنيا ولم تقعد في لبنان، وعادت نغمة «الرسوم المسيئة» لتشنّف آذاننا المنهكة! لا يجوز «التعرّض للمقامات الدينيّة»، برأي كثيرين، وهذا موقف عبثي، فمن وجهة نظر إيمانيّة، الله وحده عزّ وجلّ فوق النقد، البشر كلّهم معرّضون للخطأ والخطيئة. وحين تتبوّأ شخصيّة عامة منصباً رفيعاً، دينيّاً أو دنيويّاً، (وأحياناً الاثنين معاً)، من البديهي أن تكون عرضة للنقد والمساءلة.
من حق فنّان ساخر مثل شربل خليل أن ينتقد زعيماً سياسيّاً بحجم السيّد حسن نصرالله، فالزعيم الكبير يحتمل النقد. وللتاريخ، فإن حزبه لم يردّ يومذاك، الأمر الذي تتجاهله كل المتاجرات الرخيصة بالواقعة منذ سبع سنوات. (الغضب الشعبي موضوع آخر، كما سنرى أدناه). ومن حق صحافي لا ينتمي بالمفهوم الضيّق إلى طائفة مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة أو دينه، أن ينتقد المرجع المذكور على خطوة تكفيريّة هي الأولى في تاريخ الجمهوريّة، وعلى عدائه السافر للمجتمع المدني. ومن حقّ فنّان الكاريكاتور الأردني جهاد عورتاني أن ينتقد بطرك الموارنة على مبادرة يصعب عزلها عن الصراعات الاقليميّة، أياً كان رأينا بقراءته السياسيّة لتلك المبادرة. في لبنان اقتصر شجب كاريكاتور «الوطن» على مواطنين ومنابر اعلاميّة حرّضتهم، فيما لم يصدر عن الصرح البطريركي أي ردّ فعل. وهذا سلوك غاية في الرقيّ واحترام النقد، ولو مضخّماً كما يقتضي فنّ الكاريكاتور.
وقد تفرّدت «الأخبار» (١٣/ ٢/ ١٣) بالتوقّف عند ايجابيّات اقدام جريدة سعوديّة على نشر الرسمة الساخرة التي عادت فتبرّأت منها المملكة لأسباب مفهومة. كما تمنينا، بطوباويتنا المعهودة، تعميم تلك الجرأة في النقد، لتشمل كل المرجعيّات السياسيّة والدينيّة في بلد أسامة بن باز، أسوة بما يحدث في الدول المتحضّرة. ثم جاء ردّ الشارع اللبناني على «الكاريكاتور السعودي». أياد خفيّة علّقت بالأمس رسوماً للعاهل السعودي مستوحاة من ورق اللعب، وقد شرّ من سيفه الدم. القوى الأمنية سارعت إلى سحب اليافطات، وطلب النائب العام التمييزي، اجراء تحقيق حول ناشري الرسوم المسيئة. متى يشفى العرب من رهاب «الرسوم المسيئة»؟ الرد على الرسم بالرسم، كمقارعة الفكر بالفكر، فعل راق ومدني بحد ذاته. لكن انتقاد الملك السعودي الآن، يشبه الاقتصاص من سلطات المملكة لأنّها لم تمارس الرقابة على فنّان ينتقد غبطة البطريرك! الحريّة ضدّ الحريّة إذاً؟ رسوم جل الديب والفنار على جرأتها، مجرّد ردّ فعل دفاعي، في زمن انفلات العصبيّات من عقالها لتبتلع المشروع القومي، ولتفتك بفكرة المواطنة. الحريّة هي الحلّ دائماً، لكن للحريّة قواعد وأصول، علينا أن نبدأ من تعلّمها.