وحده موزار أعطى اسمه عنواناً لإحدى دورات «مهرجان البستان» (2006) في ذكرى ولادته. لكن في كل دورة تزامنت مع ذكرى رحيل أو ولادة مؤلفٍ كبير أو أكثر، كان المهرجان يراعي المناسبة عبر أمسية خاصة أو من خلال التركيز العام على أعماله أو تقديم عملٍ كبيرٍ له...
هذه السنة، تصادف ذكرى فاغنر (1813 ــ 1883) وفيردي (1813 ــ 1901). عنوان المهرجان «العالم بحاجة إلى موسيقى» لم يشِر إلى المناسبة، لكنّ البرنامج أخذها في الاعتبار. ما أعاق هذا التوجّه سبب وحيد هو ريبرتوار الرجليْن. فاغنر وفيردي مؤلفان متخصّصان بنمط موسيقيّ واحد هو الأوبرا.
تركا أعمالاً في فئات موسيقية أخرى، صحيح، لكن مَن يعرفها أو حتى يعرف أنها موجودة أصلاً؟ ومَن يعرفها مِن الباحثين المتخصّصين، لا تعني له أكثر مِن مجرّد أنّ صاحبها مؤلفٌ كبير! مثلاً، كتب فاغنر مقطوعات للبيانو وسمفونية وحيدة... هذا ما تذكره كتب تاريخ الموسيقى، لكن يكاد ينعدم وجود تسجيل لها، وإن وُجِد، فلا يجد من يهتم به.
وفي هذا السياق، قد نقع على تسجيلات للبيانو أو الأوركسترا تحمل توقيع فاغنر، لكن ذلك يكون، في الحالة الأولى، أعمالاً منقولةً من الأوبرا للبيانو. وفي الحالة الثانية، افتتاحيات أوركسترالية لأوبرايات مؤسِّس «مسرح بايرويْت».
فيردي أيضاً ترك أعمالاً غير روائعه في فنّ الأوبرا، لكنها أيضاً لا تشكِّل ثقلاً في ريبرتواره، إذا استثنينا طبعاً القدّاس الجنائزي الشهير، وهو عملٌ أقرب إلى الأوبرا منه إلى أي فئة أخرى أساساً.
إذاً ثمة معضلة أمام المنظمين تتمثل في كيفية تكريم مؤلفيْن تركَّز عطاؤهما حول الفئة الفنية ذاتها، وليس أي فئة.
لو كانا مثلاً رمزين في التأليف للبيانو، لَما طرح التشابه مشكلة. لكن الأوبرا هي الشكل الموسيقي الأصعب تنفيذاً والأكثر كلفة في الانتاج، وإدراج عنوانٍ واحدٍ في أي مهرجان يوازي تحضيره دورة كاملة، خصوصاً في حالة فيردي، وأكثر منه فاغنر (الأضخم في التاريخ). رغم إصرار منظمي «البستان» على وجود عملٍ أوبرالي في كل دورة (مع وجود استثناءات في عدم وجود أوبرا أو في تقديم أكثر من أوبرا في دورة واحدة)، ورغم أنه عندما نقول «أوبرا»، نقول أولاً فاغنر وفيردي، لم يقدِّم المهرجان أي عمل لأي منهما منذ تأسيسه. اليوم هو «مجبر» بالاثنين معاً! فكيف حلّ هذه المعضلة؟ بدايةً، إنّ اختيار أحد أوبرايات الرجليْن أمرٌ لا مفرّ منه. فماذا نختار ومن عند مَن؟ التفكير في عملٍ لفيردي أمرٌ بديهي، لأنه أسهل تنفيذاً وإنتاجاً من الانخراط في «مشروع فاغنريّ».
لكن ماذا نفعل لتكريم فاغنر في هذه الحالة، ولا شيء يفي الرجل حقّه إلا الأوبرا؟ مشكلةٌ حلّها «البستان» بتقديم Das Liebesverbot («حظر الحب» أو «الحب الممنوع»)، أوّل و«أصغر» أوبرا كتبها فاغنر. عنوانٌ لا يخطر في بال أحد لندرته ولقيمته الفنية المتواضعة نسبة إلى الأوبريات الـ11 المعروفة لإله الأساطير الجرمانية (منيَ عرضها الأول عام 1836، بفشلٍ ذريع). هكذا تحايل المهرجان لتخطي عائقة فاغنر. أما فيردي، فبات طبيعياً أن لا يكون له أوبرا في البرنامج، فالبديل موجود عنده ولا يقلّ قيمة عن أي من أوبراياته، بالتالي فإن إدراجه يشكِّل تكريماً لائقاً لمؤلفه: القدّاس الجنائزي، الرائعة التي تتربع على عرش فئتها، لا شك، لكن بعد «أعجوبة» موزار غير المكتملة واللغز الذي لا تُفكّ
رموزه.
إذاً، أوبرا لفاغنر (8/3) و«جنّاز» لفيردي (23 و25/3). هذا كافٍ، لكن البرنامج يحوي hلتفاتات يمكن إلحاقها بهاتين التحيّتيْن، أهمّها أمسية مقتطفات أوبرالية لفيردي في ختام الدورة (27/3) وأخرى مماثلة لفاغنر (9/3) ومحاضرة يتناول فيها بيتر كونراد النظائر بين المعلّمَيْن (11/3).