تونس | خلافاً لما يتداوله التونسيون عن ثورتهم التي أبهرت العالم بسلميّتها كما يقولون، ترى مجموعة «أهل الكهف» الفنية أنّ الثورة التونسية ماتت يوم ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١. من بين الأشرطة الوثائقية التي لفتت الانتباه أخيراً «ثورة غير درج» (الدرج في اللهجة التونسية يعني «خمس دقائق»). هذا الفيلم يقدم بورتريهاً لمجموعة «تحت الكهف»، وهي مجموعة فنية من بين تجمعات كثيرة ظهرت في تونس قبل الثورة وبرزت بعدها مثل «الزواولة» واتخذت من الجدران وسيلة للتعبير من خلال الغرافيتي. رضا التليلي مخرج الفيلم عاش مع هذه المجموعة التي بدأت بثلاثة فنانين من متخرجي «المعهد العالي للفنون الجميلة» في تونس واختاروا اسم «أهل الكهف» للإشارة إلى الطبيعة السرية لعملهم الفني عندما كان الرسم على الجدران ممنوعاً. وبعد الثورة واصلت المجموعة التنديد بالسلطة من خلال الرسوم على الجدران. هذه المجموعة لا تخفي انتماءها إلى أقصى اليسار التونسي، وتعتبر أنّ الثورة التونسية انتهت عشية فرار زين العابدين بن علي وأنّ «الإمبريالية الأميركية ومجموعات الضغط المرتبطة بجهات دولية وصهيونية والمدعومة بالمال الخليجي تدخّلت للحفاظ على بنية النظام القديم بوجوه جديدة».

هؤلاء الشبان الذين يعملون في الليل يحوّلون جدران المنازل المهجورة ومحطات النقل إلى لوحات فنية تتخللها قصائد درويش ونيرودا ولوركا وصور تشي غيفارا، تحولوا إلى ظاهرة في الشارع الثقافي التونسي؛ إذ حولوا الهامش إلى مركز قرار واستقطاب وكانوا حاضرين في كل التحركات الشعبية لفرض مطالب الديموقراطية والحرية والعدالة والدفاع عن الدولة المدنية. وهم لا يخفون عدم ثقتهم بالأحزاب والمنظمات، ويرون أنّ الثورة سرقت من البسطاء وحوِّل مسارها للحفاظ على مصالح الإمبريالية. خطاب هذه المجموعة يبدو غريباً بعد سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة واستفراد الولايات المتحدة بالقرار في العالم، لكنهم مصرون على مواقفهم وواثقون بأنّ المستقبل سيكون للفقراء. هذا الشريط التسجيلي (٧٥ دقيقة) أنجزه رضا التليلي بإمكانات متواضعة تماماً كما أنتج أفلامه الأخرى. وهو يلتقي مع «أهل الكهف» في الخروج عن السرب والمسارات التقليدية، وقد كان ذلك مربكاً للخطاب السائد الذي يتغنّى بالثورة بطريقة لا تختلف عن احتفاليات النظام السابق.